التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٤٤
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ أهل الحجاز، وروح "برسالتي" على التوحيد. الباقون { برسالاتي } على الجمع. والرسالة تجري مجرى المصدر فتفرد في موضع الجمع، وإِن لم يكن المصدر من (أرسل) يدلك على أنه جار مجراه قول الأعشى:

ففادك بالخيل أرض العدو وجذعانها كلقيطة العجم

فاعماله إِياها إِعمال المصدر بذلك على أنه يجري مجراه، والمصدر قد يقع لفظ الواحد فيه والمراد به الكثرة، وكان المعنى على الجمع لأنه مرسل لضروب من الرسالة، والمصادر قد تجمع مثل الحلوم والألباب. وقال تعالى { إِن أنكر الأصوات لصوت الحمير } فجمع الأصوات لما أريد بها أجناس مختلفة صوت الحمار بعضها، فأفرد صوت الحمار، وإِن كان المراد به الكثرة، لأنه صوت واحد.
أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه نادى موسى (ع) وقال له { يا موسى إِني اصطفيتك } ومعنى الاصطفاء استخلاص الصفوة لما لها من الفضيلة. والفضائل على وجوه كثيرة: أجلها قبول الاخلاق الكريمة والأفعال الجميلة، ولهذا المعنى اصطفي موسى (ع) حتى استحق الرسالة، وأن يكلم بتلقين الحكمة.
وقوله تعالى { برسالاتي وبكلامي } فيه بيان ما به اصطفاه وهو أن جعله نبياً وخصه بكلامه بلا واسطة، وهما نعمتان عظيمتان منه تعالى عليه، فلذلك امتن بهما عليه، وإِنما صار في كلام الجليل نعمة على المكلم، لأنه كلمه بتعليم الحكمة من غير واسطة بينه وبين موسى، ومن أخذ العلم عن العالم المعظم كان أجل رتبة، ولو كلم إِنساناً بالانتهار والاستخفاف، لكان نقمة عليه بالضد من تلك الحال.
وقوله تعالى { فخذ ما آتيتك } معناه تناول ما أعطيتك { وكن من الشاكرين } يعني من المعترفين بنعمتي، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع القيام بحقها على حسب مرتبتها، فاذا كانت من أعظم النعم، وجب أن تقابل بأعظم الشكر، وهو شكر العباد لله وحده على وجه الاخلاص له.