التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
١٥٠
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وابن عامر "ابن أم" بكسر الميم. الباقون بالفتح والقراء كلهم على { تُشمِت } بضم التاء. وقرأ حميد الاعرج، ومجاهد "لا تَشمت" بفتح التاء. واللغة الفصيحة بضم التاء من (أشمت) وقد ذكر: شمت يَشمت، وأشمت يُشمت.
أخبر الله تعالى في هذه الآية أن موسى حين رجع من مناجاة ربه رجع غضبان آسفاً، لما رأى من عكوف قومه على عبادة العجل. والغضب معنى يدعو الى الانتقام على ما سلف وهو يضادُّ الرضا، يقال: غضب غضباً وأغضبه إِغضاباً وغاضبه مغاضبة وتغضب تغضباً، والأسف الغضب الذي فيه تأسف على فوت ما سلف. وقال ابن عباس: أسفاً يعني حزيناً، وقال أبو الدرداء: معناه شديد الغضب بدلالة قوله تعالى
{ فلما آسفونا انتقمنا } ومعناه أغضبونا كغضب المتحسر في الشدة، وهو مجاز في الصفة.
وقوله تعالى { بئس ما خلفتموني من بعدي } معناه بئس ما عملتم خلفي، يقال: خلفه بما يكره وخلفه بما يحب إِذا عمل خلفه ذلك العمل يقال: خلف خلفاً، وأخلف إِخلافاً، وخالفه مخالفة، واختلف اختلافاً، واستخلف استخلافاً وتخلَّف تخلفا، وخلف تخليفا، وتخالفا تخالفاً.
وقوله { أعجلتم أمر ربكم } قال الجبائي معناه أعجلتم منه ما وعدكم من ثوابه ورحمته، فلما لم تروه فعل بكم ذلك كفرتم، واستبدلتم به عبادة العجل، والعجلة التقدم بالشىء، قبل وقته، والسرعة عمله في أول وقته، ولذلك صارت العجلة مذمومة، والسرعة محمودة ويقال: عجلته أي سبقته وأعجلته استحثثته.
وقوله { وأخذ برأس أخيه يجره إليه } قيل في معناه قولان:
أحدهما - قال الجبائي: إِنما هو كقبض الرجل منا على لحيته وعضه على شفته أو إِبهامه، فأجرى موسى هارون مجرى نفسه، فقبض على لحيته، كما يقبض على لحية نفسه اختصاصاً. وقال أبو بكر بن الاخشيد: إِن هذا أمر يتغير بالعادة ويجوز أن تكون العادة في ذلك الوقت أنه اذا أراد الانسان أن يعاتب غيره لا على وجه الهوان أخذ بلحيته وجره اليه ثم تغيرت العادة الآن وقال: انما أخذ برأسه ليسر اليه شيئا أراده. وقال { يابن أم } حكاية عما قال هارون لموسى حين أخذ برأسه خوفاً من أن يدخل الشبهة على جهال قومه، فيظنون أن موسى فعل ذلك على وجه الاستخفاف به والانكار عليه { يابن أم إِن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني }.
ومن فتح ميم (أم) تحتمل قراءته أمرين:
أحدهما - أنه بني لكثرة اصطحاب هذين حتى صار بمنزلة اسم واحد مع قوة النداء على التغيير نحو خمسة عشر.
الثاني - أنه على حذف الألف المبدلة من ياء الاضافة، كما قال الشاعر:

يا بنية عما لا تلومي واهجعي

والقياس يابن أمي، ومن كسر الميم اضافة الى نفسه بعد أن جعله اسماً واحداً، ومن العرب من يثبت الياء كما قال الشاعر:

يابن أمي ويا شقيق نفسي أنت خليتني لدهر شديد

وقال الآخر:

يابن أمي ولو شهدتك إِذ تدعو تميماً وأنت غير مجاب

وقال الحسن: كان أخاه لأبيه وأمه، والعرب تقول ذلك على وجه الاستعطاف بالرحم.
وقوله { فلا تشمت بي الأعداء } فالشماتة سرور العدو بسوء العاقبة تقول: شمت به شماتة وأشمته إِشماتاً اذا عرضته لتلك الحال.
وقوله { وألقى الألواح } يعني رماها. وقال مجاهد: كانت من زمرد أخضر. وقال سعيد بن جبير: كانت من ياقوت أحمر، وقال أبو العالية: كانت من زبرجد، وقال الحسن: كانت من خشب.
وقوله { ولا تجعلني مع القوم الظالمين } سؤال من هارون لموسى ألا يشمت به عدوه ولا يجعله في جملة القوم الظالمين لبراءة ساحته مما فعل قومه، فلما ظهر لموسى براءة ساحة هارون بأن له عذراً، عذره في المقام بينهم من خوفه على نفسه قال عند ذلك { رب اغفر لي ولأخي }.