التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٥٣
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لمَّا توعد الله تعالى الذين عبدوا مع الله غيره وعطف على وعيدهم توعيد المفترين عليه والمتخرصين في دينه ما لم يأمر الله به، عطف على ذلك، فقال { والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا } وهي جمع سيئة وهي الخصلة التي تسوء صاحبها عاقبتها، وهي نقيض الحسنة، كما أن الاساءة نقيض الاحسان { ثم تابوا من بعدها وآمنوا } يعني رجعوا الى الله تعالى بعد فعلهم السيِّئة وندموا عليها وعزموا على أن لا يعودوا الى مثلها في القبح، وآمنوا بما أوجب الله عليهم أجمع { إِن ربك } يا محمد { من بعدها } يعني من بعد السيئة { لغفور رحيم } يعني يغفرها لهم ويسترها عليهم، لرحمته بعباده.
وقد بينا فيما مضى أن التوبة التي أجمعوا على سقوط العقاب عندها هي الندم على القبيح، والعزم على أن لا يعود الى مثله في القبح، وفي غيرها خلاف، يقال: تاب يتوب توبة و (تاب الله عليه) بمعنى وفقه للتوبة على الدعاء له، و (تاب عليه) أيضا: بمعنى قبل توبته، والتوبة طاعة يستحق بها الثواب بلا خلاف ويسقط العقاب عندها بلا خلاف، إِلا أن عندنا يسقط ذلك تفضلا من الله تعالى بورود السمع بذلك وعند المعتزلة العقل يوجب ذلك.
فإِن قيل كيف قال { تابوا من بعدها وآمنوا } والتوبة هي إِيمان؟
قلنا عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها - تابوا من بعد المعصية وآمنوا بتلك التوبة.
الثاني - استأنفوا عمل الايمان.
الثالث - آمنوا بأن الله قابل التوبة. وقيل: إِن الآية نزلت فيمن تاب من الذين كانوا عبدوا العجل، فانهم تابوا وندموا، وأكثرهم تعبدهم الله بأن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضاً، واستسلموا لذلك، فقتل في يوم واحد سبعون ألفاً ثم رفع عنهم ذلك وقبل توبتهم.