التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ
١٨
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

حكي عن عاصم في الشواذ { لمن تبعك } بكسر اللام، ويكون خبره محذوفاً وتقديره لمن تبعك النار، وليس بمعروف.
هذا خبر من الله تعالى أنه { قال أخرج منها } يعني من الجنة { مذؤماً } قال ابن عباس: معناه معيباً. وقال ابن زيد: مذموماً، يقال: ذأمه يذأمه ذأماً وذامه يذيمه ذيماً وذاماً. وقيل الذأم والذيم أشد العيب. ومثله اللوم قال الشاعر:

صحبتك إِذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي أذيمها

وأكثر الرواية ألومها. وقوله { مدحوراً } فالدحر الدفع على وجه الهوان والاذلال يقال: دحره يدحره دحراً ودحوراً. وقيل الدحر الطرد - في قول مجاهد والسدي -.
وقوله { لمن تبعك منهم } جواب القسم، وحذف جواب الجزاء في { لمن تبعك } لأن جواب القسم أولى بالذكر من حيث أنه في صدر الكلام، ولو كان في حشو الكلام، لكان الجزاء أحق منه، كقولك: إِن تأتني والله أكرمك، ولا يجوز أن تكون (من) ها هنا بمعنى الذي، لأنها لا تقلب الماضي الى الاستقبال، ويجوز أن تقول: والله لمن جاءك أضربه بمعنى لأضربه، ولم يجز بمعنى لأضربنه، كما يجوز والله أضرب زيداً بمعنى لأضرب ولا يجوز بمعنى لأضربن، لأن الايجاب لا بد فيه من نون التأكيد مع اللام على قول الزجاج.
وإِنما قال { لأملأن جهنم منكم } بلفظ الجمع وإِن كان المخاطب واحداً على التغليب للخطاب على الغيبة، كما يغلب المذكر على المؤنث، وكما يغلب الأخف على الأثقل في قولهم: سنة العمرين، لأن المفرد أخف من المضاف، لأن المعنى لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين، كما ذكره في موضع آخر.
وقوله { أجمعين } تأكيد لقوله { منكم } وهو وإِن كان بلفظ الغائب أكد به المخاطب، لأنه تابع للأول، فإِن كان غائباً فهو غائب وإِن كان مخاطباً، فهو مخاطب وإِن كان متكلماً، فهو متكلم كقولك: نحن منطلق أجمعون عامدون، لأن الاتباع قد دل على ذلك.