التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
١
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اختلف المفسرون في معنى الأنفال - ها هنا - فقال بعضهم: هي الغنائم التي غنمها النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر، فسألوه لمن هي؟ فأمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم: هي لله ولرسوله - ذهب اليه عكرمة ومجاهد والضحاك وابن عباس وقتادة وابن زيد - وقال قوم: هي أنفال السرايا - ذهب اليه علي بن صالح بن يحيى - وقال قوم: وهو ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عبد او جارية من غير قتال او ما اشبه ذلك - عن عطا - وقال: هو للنبي صلى الله عليه وآله خاصة يعمل به ما يشاء.
وروي عن ابن عباس - في رواية اخرى - انه ما سقط من المتاع بعد قسمة الغنائم من الفرس والدرع والرمح. وفي رواية اخرى - أنه سلب الرجل وفرسه ينفل النبي صلى الله عليه وآله من شاء.
وقال قوم: هو الخمس، روي ذلك مجاهد، قال: قال المهاجرون: لم يرفع منا هذا الخمس ويخرج منا؟ فقال الله: هو لله والرسول.
وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (أن الانفال كل ما اخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى عنها أهلها). ويسميه الفقهاء فيئاً، وميراث من لا وارث له، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب، والآجام وبطون الأودية والموات وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه. وقالا: هو لله وللرسول وبعده للقائم مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه ومن يلزمه مؤنته ليس لاحد فيه شيء. وقالا: إن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه وآله خاصة، فسألوه أن يعطيهم.
وفي قراءة اهل البيت: { يسألونك الأنفال } فأنزل الله تعالى قوله { قل الأنفال لله والرسول } ولذلك قال { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } ولو سألوه عن موضع الاستحقاق لم يقل لهم: اتقوا الله.
والانفال جمع نفل والنفل هو الزيادة على الشيء، يقال: نفلتك كذا إذا زدته قال لبيد بن ربيعة:

إن تقوى ربنا خير نفل وباذن الله ريثي والعجل

والنفل هو ما أعطيته المرء على البلاء، والفناء على الجيش على غير قسمة. وكل شيء كان زيادة على الأصل فهو نفل ونافلة، ومنه قيل لولد الولد: نافلة، ولما زاد على فرائض الصلاة نافلة.
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فقال قوم: نزلت في غنائم بدر، لأن النبي صلى الله عليه وآله كان نفل أقواماً على بلاء فأبلى اقوام وتخلف آخرون مع النبي صلى الله عليه وآله فلما انقضى الحرب اختلفوا، فقال قوم: نحن اخذنا، لأنا قتلنا. وقال آخرون: نحن احطنا بالنبي صلى الله عليه وآله ولو أردنا لأخذنا. وقال آخرون: نحن كنا وراءكم نحفظكم فأنزل الله هذه الآية يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ماض جائز - ذهب اليه ابن عباس وعكرمة وعبادة بن الصامت -.
وقال قوم: نزلت في بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وآله سأل من المغنم شيئاً قبل قسمتها فلم يعطه إياها إذ كان شركاً بين الجيش، فجعل الله جميع ذلك للنبي صلى الله عليه وآله روي ذلك عن سعد بن مالك، وهو ابن ابي وقاص. قال: وكان سيف سعد بن العاص لما قتله اخوته، وكان يسمى ذا الكثيفة، قال سعد أتيت النبي صلى الله عليه وآله فسألته سيفاً فقال: ليس هذا لي ولا لك فوليت عنه. قال: فاذا رسول الله صلى الله عليه وآله خلفي فقال: إن السيف قد صار لي فأعطانيه، ونزلت الآية.
وروي عن ابي أسيد مالك بن ربيعة قال: اصبت سيف ابن عابد، وكان يسمى المرزبان فألقيته في النفل، فقام الأرقم بن ابي الأرقم المخزومي، فسأل رسول الله فأعطاه إياه.
وقال آخرون: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سألوه أن يقسم غنيمة بدر عليهم يوم بدر، واعلمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم ليس لهم فيه شيء.
وقالوا معنى { عن } ها هنا معنى { من } وكان ابن مسعود يقرأه { يسألونكم الأنفال } على هذا التأويل. وهذا مثل ما رويناه عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام وروي ذلك عن الأعمش، والضحاك عن ابن مسعود، وروي ذلك عن ابن عباس وابن جريح وعمرو ابن شعيب عن ابيه عن جده وعن الضحاك، وعكرمة، واختاره الطبري وهو قول الحسن. وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
"أيما سرية خرجت بغير إذن إمامها فما أصابت من شيء، فهو غلول" . وقال الزجاج: كانت الغنائم قبل النبي صلى الله عليه وآله حراماً، فسألوا النبي عن ذلك، فنزلت الآية، وهذا بعيد.
واختلفوا هل هي منسوخة أم لا؟
فقال قوم: هي منسوخة بقوله { واعلموا أنما غنمتم من شيء... } الاية وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة والسدي وعامر الشعبي واختاره الجبائي.
وقال آخرون: ليست منسوخة، ذهب اليه ابن زيد واختاره الطبري، وهو الصحيح، لان النسخ محتاج إلى دليل، ولا تنافي بين هذه الآية وبين آية الخمس، فيقال انها نسختها.
واختلفوا هل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وآله ان ينفل احداً - ذكرناه في الخلاف - فقال سعيد بن المسيب لا نفل بعد رسول الله. وبه قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وعندنا وعند جماعة من الفقهاء واختاره الطبري: أن للأئمة أن يتأسوا بالنبي صلى الله عليه وآله في ذلك.
وقوله { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } امر من الله للمكلفين أن يتقوا معاصيه ويفعلوا طاعاته ان يصلحوا ذات بينهم.
واختلفوا في معناه، فقال قوم: هو ان النبي صلى الله عليه وآله كان ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفار إذا قتله، فلما نزلت الاية امرهم أن يرد بعضهم على بعض، ذهب اليه قتادة وابن جريج.
وقال قوم: هذا نهي من الله للقوم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة يوم بدر. ذهب اليه مجاهد وابن عباس وسفيان والسدي.
واختلفوا لم قال { ذات بينكم } فأنث، والبين مذكر؟ فقال قوم: أراد { ذات بينكم } للحال التي للبين، كما يقولون ذات العشاء يريدون الساعة التي فيها العشاء، ولم يصفوا مذكراً لمؤنث ولا مؤنثاً لمذكر. قال الزجاج: اراد الحال التي يصلح بها أمر المسلمين. وقال الأخفش: جعله { ذات } لأن بعض الاشياء يوضع عليه اسم المؤنث وبعضه يذكر مثل الدار والحائط انث الدار وذكر الحائط.
وقوله { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } امر من الله للخلق ان يطيعوه ولا يعصوه، ويطيعوا رسوله فيما يأمرهم به إن كانوا مصدقين لرسوله فيما يأتيهم به من قبل الله، لأنهم متى لم يطيعوه ولم يقبلوا منه لم يكونوا مؤمنين.
وروي: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قسم غنائم بدر بينهم عن تواء، يعني سواء، ولم يخمس وإنما خمس بعد ذلك.
وقال الزجاج: { ذات بينكم } معناه حقيقة وصلكم، والبين الوصل، لقوله تعالى { لقد تقطع بينكم } اي وصلكم.