التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أمر الله المؤمنين ان يجيبوا الله والرسول إذا دعاهم وان يطلبوا موافقته والاستجابة طلب موافقة الداعي فيما دعا اليه على القطع به. وقال ابو عبيدة والزجاج: معنى استجيبوا اجيبوا. وقال كعب بن سعد الغنوي:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب

اي لم يجبة. والفرق بين الدعاء إلى الفعل وبين الامر به أن الامر فيه ترغيب في الفعل المأمور به، ويقتضي الرتبة. وهي ان يكون متوجهاً إلى من دونه، وليس كذلك الدعاء لأنه يصح من دونك لك.
وقوله { إذا دعاكم لما يحييكم } قيل في معناه ثلاثة أقوال:
احدها - دعاكم إلى احياء امركم بجهاد عدوكم مع نصر الله إياكم، وهو قول ابن اسحاق والفراء والجبائي. وقال البلخي: معناه لما يبقيكم ويصلحكم ويهديكم ويحيي امركم.
الثاني - معناه لما يورثكم الحياة الدائمة في نعيم الاخرة من اتباع الحق: القرآن.
الثالث - معناه لما يحييكم بالعلم الذي تهتدون به من اتباع الحق، والاقتداء بما فيه.
وقوله { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } قيل في معناه ثلاثة اقوال:
احدها - ان يفرق بين المرء وقلبه بالموت او الجنون وزوال العقل. فلا يمكنه استدراك ما فات. والمعنى بادروا بالتوبة من المعاصي قبل هذه الحال.
الثاني - ان معناه بادروا بالتوبة لأنه اقرب إلى المرء من حبل الوريد لا يخفى عليه خافية من سره وعلانيته وفي ذلك غاية التحذير.
والثالث - تبديل قلبه من حال إلى حال لانه مقلب القلوب من حال الأمن إلى حال الخوف ومن حال الخوف إلى حال الأمن على ما يشاء.
وروي عن ابي عبد الله عليه السلام في معنى قوله { يحول بين المرء وقلبه } قال لا يستيقن القلب أن الحق باطل أبداً ولا يستيقن أن الباطل حق ابداً.
فأما من قال من المجبرة: إن المراد إن الله يحول بين المرء والايمان بعد امره إياه به فباطل، لانه تعالى لا يجوز عليه أن يأمر أحداً بما يمنعه منه ويحول بينه وبينه، لان ذلك غاية السفه، تعالى الله عن ذلك. وايضاً فلا احد من الامة يقول: إن الايمان مستحيل من الكافر، فانهم وان قالوا إنه لا يقدر على الايمان يقولون يجوز منه الايمان ويتوقع منه ذلك، ومن ارتكب ذلك فقد خرج من الاجماع.
ويحتمل ان يكون المراد ان امر الله بالموت يحول بين المرء وقلبه، كما قال
{ { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } أي أمر الله.
وقال قوم: يجوز ان يكون معناه يحول بينه وبين قلبه بان يسلبه قلبه فيبقى حياً بلا قلب وهذا قريب من معنى زوال العقل، قالوا: يجوز أن يكون المراد: انه عالم بما ينظرون اليه، وما يضمره العبد في نفسه من معصيته فهو في المعنى كأنه حائل بينه وبينه، لأن العبد لا يقدر على اضمار شيء في قلبه إلا والله عالم به، وهذا وجه حسن وروي في التفسير أن الله يحول بين المؤمن وبين الكفر. والمعنى في ذلك ان الله يحول بينه وبين الكفر بالوعد والوعيد، والامر والنهي، والترغيب في الثواب والعقاب. فأما ما روي عن سعيد بن جبير وغيره من ان الله يحول بين الكافر والايمان فقد بينا ان ذلك لا يجوز على الله. والعقل مانع منه. ولو صح ذلك لكان الوجه فيه ان الله يحول بين الكافر وبين الايمان في المستقبل بان يميته، لأنه لا يجب تبقيته حتى يؤمن، بل لو ابقاه لكان حسناً، وان لم يبقه كان ايضاً حسناً. وقوله تعالى { وأنه إليه تحشرون } معناه انكم تحشرون يوم القيامة للجزاء على اعمالكم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فلذلك يجب المبادرة بالطاعة والاقلاع عن المعصية بالتوبة وترك الاصرار على القبائح.