التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ
٣٠
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله فقال: واذكر { إذ يمكر بك الذين كفروا } والمكر الفتل إلى جهة الشر في خفى وأصله الالتفاف من قول ذي الرمة.

عجزاء ممكورة خمصانة قلق عنها الوشاح وتم الجسم والقصب

اي ملتفة. والمكر والختل والغدر نظائر. والفرق بين المكر والغدر ان الغدر نقض العهد الذي يلزم الوفاء به، والمكر قد يكون ابتداء من غير عقد.
ووصف الله تعالى بأنه ماكر يحتمل وجهين:
احدهما - انه سمى الجزاء على المكر مكراً للازدواج، كقوله
{ { الله يستهزئ بهم } اي يجازيهم على الاستهزاء فيكون التقدير والله خير المجازين على المكر، ذكره الزجاج،
والثاني - ان يكون على غير تضمن الحيلة لكن على اصل اللغة. قال ابو علي: ومكره بهم حق وصواب { وهو خير الماكرين } مكراً.
وقوله "ليثبتوك" قيل في معناه قولان:
احدهما - ليثبتوك في الوثاق، في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة.
والثاني - قال عطا وعبد الله بن كثير، والسدي { ليثبتوك } في حبس وقال ابو علي الجبائي: معناه ليخرجوك، يقال: اثبته في الحرب إذا جرحه جراحة ثقيلة.
وقوله { او يخرجوك } قال الفراء: او يخرجوك علي بعير تطرد به حتى تهلك او يكفيكموه بعض العرب. وهو قول ابي البختري وهشام.
وكان سبب ذلك أنهم تآمروا في دار الندوة، فقال عمرو بن هشام: قيدوه تتربصون به ريب المنون. وقال البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه لكم. وقال أبو جهل: ما هذا برأي، ولكن اقتلوه بان يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربونه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فترضى حينئذ بنو هاشم بالدية فصوب إبليس هذا الرأي وخطأ الأولين وزيفهما، فاوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله بذلك فامره بالخروج، فخرج إلى الغار، في قول ابن عباس، ومجاهد وقتادة، وهو قوله { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } ولا خلاف بين المفسرين أنه بات عليّ تلك الليلة، وهي الليلة التي أمر النبي صلى الله عليه وآله بالخروج على فراشه إلى أن اصبح، وكانوا يحرسونه إلى الصباح، ولما طلع الفجر ثاروا اليه فاذا علي، قالوا له أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فتركوه وخرجوا في أثره.