التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٧٢
-الأنفال

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة { ولايتهم } بكسر الواو. الباقون بفتحها. قال الزجاج: إنما جاز الكسر لأنه يشبه الصناعة كالخياطة والقصارة والحياكة، وقال الشاعر في الفتح:

دعيهم فهم ألب علي ولاية وحفرهم ان يعلموا ذاك دائب

قال ابو عبيدة: بفتح الواو مصدر المولى تقول: مولى بين الولاية وإذا كسرت فهو من وليت الشيء. قال ابو الحسن: يفتح الواو من الولاية إلا الولاية في السلطان بكسر الواو، وكسر الواو في الاخرى لغة. وقرأ الاعمش بكسر الواو من الولاية في الدين هنا. قال ابو علي الفارسي: الولاية ها هنا في الدين والفتح أجود. قال ابو الحسن. وهي قراءة الناس. وعن الأعمش أنه كسر الواو، وهي لغة. وليست بذلك. قال المبرد عن الاصمعي: ان الأعمش لحن في كسره لذلك. قال ابو علي: إذا كان ذلك لغة لا يكون لحناً. قال الفراء: والكسر أحب الي، لأنها ولاية المواريث. وقال الازهري: في النصرة والنسب بفتح الواو. وفي الامارة بكسرها.
اخبر الله تعالى في هذه الآية عن احوال المؤمنين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة بقوله { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } وعن احوال الأنصار بقوله { والذين آووا ونصروا } يعني النبي صلى الله عليه وآله. ثم قال { أولئك } يعني المهاجرين والانصار { بعضهم أولياء بعض } والهجرة فراق الوطن إلى غيره من البلاد فراراً من المفتنين في الدين، لأنهم هجروا دار الكفار إلى دار الاسلام. والجهاد تحمل المشاق في قتال اعداء الدين جاهد جهاداً وجهده الأمر جهداً واجتهد اجتهاداً، وجاهد مجاهدة. والايواء ضم الانسان صاحبه اليه بانزاله عنده وتقريبه له، تقول: آواه يؤويه ايواء واوى يأوي اوياً، وأويت معناه رجعت إلى المأوى. والولاية عقد النصرة للموافقة في الديانة.
ثم اخبر الله تعالى عن الذين آمنوا ولم يهاجروا من مكة إلى المدينة فقال { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء } وقيل في معناه قولان:
احدهما - ولاية القرابة نفاها عنهم لأنهم كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الرحم - في قول ابن عباس والحسن وقتادة والسدي - وعن ابي جعفر عليه السلام انهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الاولى.
الثاني - انه نفي الولاية التي يكونون بها يداً واحدة في الحل والعقد، فنفى عن هؤلاء ما اثبته للأولين حتى يهاجروا. ثم قال { وإن استنصروكم } اي طلبوا نصركم { في الدين } يعني الذين آمنوا ولم يهاجروا { فعليكم النصر } اي نصرهم بسبب الايمان الذي يجب علكيم ان تنصروهم على الكفار { إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق }، يعني موادعة ومهادنة تقتضيه من جهة ان عقدهم بخلاف عقدهم.
وقيل انه نسخ ذلك بقوله
{ { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } }. وقوله { والله بما تعملون بصير } يعني عالم بما يعملونه.