التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٠٠
-التوبة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وحده { جنات تجري من تحتها } باثبات { من } وكذلك هو في مصاحف اهل مكة. الباقون بحذف { من } ونصبوا تحتها على الظرف. وقرأ يعقوب { والأنصار والذين } بضم الراء. الباقون بجرها. من رفع عطف على قوله { والسابقون الأولون } ورفع على الابتداء والخبر قوله { رضي الله عنهم }. ومن جرّ عطفه على { المهاجرين } كأنه قال: من المهاجرين ومن الأنصار. ومن اثبت { من } فلأن في القرآن مواضع لا تحصى { جنات تجري من تحتها } ومن أسقطها تبع مصحف غير أهل مكة. والمعنى واحد.
اخبر الله تعالى أن الذين سبقوا أولا إلى الايمان بالله ورسوله والاقرار بهما من الذين هاجروا من مكة إلى المدينة والى الحبشة، ومن الانصار الذين سبقوا اولا غيرهم إلى الاسلام من نظرائهم من أهل المدينة، والذين تبعوا هؤلاء بأفعال الخير والدخول في الاسلام بعدهم وسلوكهم منهاجهم. وقال الفراء: يدخل في ذلك من يجيء بعدهم إلى يوم القيامة. وقال الزجاج: مثله.
ثم اخبر أن الله رضي عنهم ورضي أفعالهم ورضوا هم ايضاً عن الله لما أجزل لهم من الثواب على طاعاتهم وإيمانهم به وبنبيه. والسبق كون الشيء قبل غيره. ومنه قيل في الخيل السابق، والمصلي هو الذي يجيء في اثر السابق يتبع صلاه. وإنما كان السابق إلى الخير أفضل لانه داع اليه بسبقه - والثاني تابع - فهو امام فيه وكذلك من سبق إلى الشر كان اسوء حالا لهذه العلة. والاتباع طلب الثاني لحال الاول أن يكون على مثلها على ما يصح ويجوز، ومثله الاقتداء. والاحسان هو النفع الواصل إلى الغير مع تعريه من وجوه القبح. فأما قولهم أحسن فمن فعله فقد يكون بفعل النفع وبفعل الضرر، لأنه تعالى اذا فعل في الآخرة العقاب يقال إنه أحسن لكن لا يقال: أحسن اليه. وقوله { وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار } اخبار منه تعالى انه مع رضاه عنهم ورضاهم عنه أعد لهم الجنات يعني البساتين التي تجري تحت اشجارها الأنهار، وقيل: ان انهارها اخاديد في الأرض فلذلك قال: تحتها { خالدين فيها أبداً } اي يبقون فيها ببقاء الله لا يفنون، منعمين. وقوله { ذلك الفوز العظيم } معناه إن ذلك النعيم الذي ذكره هو الفلاح العظيم الذي تصغر في جنبه كل نعمة.
واختلفوا فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقال ابو موسى وسعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة: نزلت فيمن صلى القبلتين، وقال الشعبي: نزلت فيمن بايع بيعة الرضوان وهي بيعة الحديبية، وقال: من اسلم بعد ذلك وهاجر فليس من المهاجرين الأولين. وقال ابو علي الجبائي: نزلت في الذين أسلموا قبل الهجرة. وروي أن عمر قرأ { والأنصار } بالرفع { الذين اتبعوهم } باسقاط الواو، فقال أبي: والذين اتبعوهم بأمير المؤمنين فرجعوا إلى قوله.