التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ
٢٥
-التوبة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أقسم الله تعالى في هذه الاية - لأن لام { لقد } لام القسم - بأنه نصر المؤمنين في مواطن كثيرة ومواطن في موضع جر بـ { في } وانما نصب، لأنه لا ينصرف لانه جمع لا نظير له في الآحاد، فلا ينصرف. وجر كثيرة على المواضع وأنثه على اللفظ. ومواطن جمع موطن. ومعنى النصر الغلبة على العدو. والمعونة قد تكون في حمل الثقيل، وتكون في شراء متاع وتكون في قضاء حاجة، ولا يكون النصر إلا المعونة على العدو خاصة. والمواطن هو الموضع الذي يقيم فيه صاحبه وإنما قد أقاموا في هذه المواطن للقتال. ومعنى كثيرة روي عن أبي عبد الله عليه السلام انها كانت ثمانين موطناً، والكثيرة عدة زائدة على غيرها فهي كثيرة بالاضافة إلى ما دونها قليلة بالاضافة إلى ما فوقها.
وقوله { ويوم حنين }، وحنين اسم واد بين مكة والطائف في قول قتادة.
وقال عروة: هو واد إلى جانب ذي المجاز، فلذلك صرف، ويجوز ترك صرفه على انه اسم للبقعة قال الشاعر:

نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين يوم تواكل الابطال

وقوله { إذ أعجبتكم كثرتكم } فالاعجاب السرور بما يتعجب منه، والعجب السرور بالنفس على الفخر بما يتعجب منه. وقال قتادة: إنه كان سبب انهزام المسلمين يوم حنين أن بعضهم قال حين رأى كثرة المسلمين يوم حنين لانهم كانوا اثني عشر ألفاً، فقال: لن نغلب اليوم عن قلة. فانهزموا بعد ساعة. وقيل: إنهم كانوا عشرة آلاف. وقال بعضهم: ثمانية آلاف والأول أشهر. ولما انهزموا لم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله الا تسعة نفر من بني هاشم وأيمن ابن ام ايمن. والعباس بن عبد المطلب. وابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعلي بن ابي طالب عليه السلام في آخرين، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله كفاً من الحصباء فرماهم به، وقال شاهت الوجوه فانهزم المشركون.
وقوله { فلم تغن عنكم شيئاً } معناه لم تغن كثرتكم شيئاً، والاغناء اعطاء ما يرفع الحاجة. ولذلك قيل في الدعاء أغناك الله { فلم تغن عنكم شيئاً } معناه لم تعطلكم ما يرفع حاجتكم.
وقوله { وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } معناه ليس فيها موضع يصلح لكم لفراركم عن عدوكم. والضيق مقدار ناقص عن مقدار، والرحب السعة في المكان وقد يكون في الرزق. والسعة في النفقة.
وقوله { ثم وليتم مدبرين } فالادبار الذهاب إلى جهة الخلف والاقبال إلى جهة القدام. والمعنى وليتم عن عدوكم منهزمين. وتقديره وليتموهم الادبار.
وكانت غزوة حنين عقيب الفتح في شهر رمضان أو في شوال سنة ثمان.
فان قيل كيف قال انه نصرهم في مواطن كثيرة؟ والمؤمنون منصورون في جميع الاحوال؟
قلنا عنه جوابان: أحدهما - ان ذلك اخبار بأنه نصرهم دفعات كثيرة ولا يدل على انه لم ينصرهم في موضع آخر، والثاني - لأنهم لما انهزموا لم يكونوا منصورين وكان ذلك منهم خطأ وإن وقع مكفراً.