التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ
٤
-التوبة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

استثنى الله تعالى من براءته عز وجل، وبراءة ورسوله صلى الله عليه وآله من المشركين من كان لهم العهد، في قول الزجاج. وقال الفراء: هذا استثناء في موضع نصب، وهم قوم من بني كنانة كان قد بقي من اجلهم تسعة اشهر، فقال الله تعالى { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } لا تحطوهم إلى الاربعة اشهر، وقال مجاهد: عنى بذلك جماعة من خزاءة ومدلج. وقال ابن عباس: توجه ذلك إلى كل من كان بينه وبين رسول الله عهد قبل براءة. وينبغي أن يكون ابن عباس اراد بذلك من كان بينه وبينه عقد هدنة او إلى قوم من المشركين لم يتعرضوا له صلى الله عليه وآله بعداوة ولا ظاهروا عليه عدوه، لان النبي صلى الله عليه وآله صالح اهل هجر واهل البحرين وايلى ودومة الجندل، وادرج، واهل معنا، وهم ناس من اليهود في توجهه إلى تبوك او في مرجعه منها، وله عهود الصلح والحرب غير هذه، ولم ينبذ اليهم بنقض عهد، ولا حاربهم بعد ان صاروا اهل ذمة إلى ان مضى لسبيله. ووفى لهم بذلك من بعده، فمن حمل ذلك على جميع العهود فقد اخطأ. وقال الحسن: هذا استثناء من قوله تعالى { اقتلوا المشركين }، { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } ثم نقلت إلى ها هنا وباقي الناس على خلافه.
وقوله { ثم لم ينقصوكم شيئاً } النقصان حط العدة عن عدة، والزيادة الحاق العدة بعدة. والمعنى ثم لم ينقصوكم من شروطكم العهد شيئاً، ولم يظاهروا عليكم أحداً فالمظاهرة المعاونة على العدو للظهور عليه فهؤلاء إن لم يعاونوا عليكم احداً من اعدائكم ولا نقصوكم شيئاً من حقكم في عهدهم فأتموا اليهم عهدهم إلى مدتهم، وهو أمن من الله تعالى إلى ان يبلغوا المدة التي وافقهم عليها. قال قتادة: وهم مشركوا قريش كانوا عاهدوه في الحديبية وبقي من مدتهم اربعة اشهر بعد يوم النحر. والاتمام بلوغ الحد في العدة من غير زيادة ولا نقصان فهنا معناه امضاء الامر على ما تقدم به العهد إلى انقضاء اجل العقد. والمدة زمان طويل الفسحة، واشتقاقه من مددت له في الاجل للمهلة. والمعنى إلى انقضاء مدتهم.
وقرأ عطاء { ثم لم ينقضوكم } بالضاد المعجمة وهي شاذة { وأن } بفتح الهمزة، لان تقديره بأن الله بريء من المشركين، ولا يجوز أن يكون المراد نبذ العهد إلى مكة، لأن مكة فتحت سنة ثمان وصارت دار الاسلام، ونبذ العهد كان في سنة تسع فعلم بذلك ان المراد غيرهم.