التفاسير

< >
عرض

وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٢
-يس

تفسير صدر المتألهين

هذا نمط آخر لَهُ، في نصيحة الجاهلين من أهل القرية، وإيقاظ النائمين من قومه، وهو التلطّف لهم، والمواساة معهم، والتسوية بين نفسه وبينهم، فيما اختار لنفسه، فأبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه قصداً لمناصحتهم، وطلباً لصلاح حالهم، لغاية الشفقة عليهم، والمساهمة معهم، حيث لم يرد لهم إلاّ ما أراد لروحه، ولهذه الرعاية في إثبات المشاركة والمساهمة وقع قوله: { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي }، بدل قوله: "وما لكم لا تعبدون الذي فطركم" ألا تَرى، أنه كيف عاد عمّا ساق الكلام لهذه الرعاية، إلى ما يستدعيه سوق الكلام لأصل المقصد، من الخطاب لهم للنصيحة والإرشاد، واراءتهم سبيل السداد، فقال: "وإليه ترجعون"، بعد قوله: "الذي فطرني"، إذ المقابلة بين المبدء والمرجع، مما يقتضي أن يكون أحدهما مقيساً إلى ما يقاس إليه بعينه الآخر، ويقاس إلى أحدهما ما يقاس بعينه إلى الآخر، ولمّا لم يلتفت لفت هذه المخاطبة على ما تستدعيه المقابلة، بل نسب إلى المبدء بالخلق والإجادة، غير ما نسب إلى المعاد بالرجوع والإعادة، فعُلِم أن تغيير الأسلوب، كان تنصيصاً على المساهمة وتأكيداً للمناصحة.
وقيل: إنه لما قال لهم:
{ { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } [يس:21]، أخذوه ورفعوه إلى الملك، فقال له الملك: "أفأنت تَتَّبِعُهم"؟ فقال: { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }، أي تُرَدُّونَ عند البعث، فيجزيكم بكفركم، ثم أنكر اتخاذ الأصنام وعبادتها.