التفاسير

< >
عرض

إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ
١٠٣
وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ
١٠٤
يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
١٠٥
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ
١٠٦
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
١٠٧
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ
١٠٨
فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ
١٠٩
-هود

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (103) إنَّ فِي ذَلِكَ } أي فيما نزل بالأمم الهالكة { لأَيَةً } لعبرةً { لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الأَخِرَةِ } لعلمه بأنّه أنموذج منه { ذَلِكَ } أي يوم القيامة وعذاب الآخرة { يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ } الأوّلون والآخِرون { وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } كثير شاهدوه.
القميّ يشهد عليه الأنبياء والرّسل وقيل مشهود فيه أهل السموات والأرضين.
والعياشي عن أحدهما عليهما السلام في هذه الآية فذلك يوم القيامة وهو اليوم الموعود.
وفي الكافي عن السّجّاد في كلام له في المواعظ والزّهد وأعلم أنّ من وراءِ هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود يجمعُ الله عزّ وجلّ فيه الأوّلين والآخرِين.
{ (104) وَمَا نُؤَخِّرُهُ } أي اليوم { إلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } الا لانتهاءِ مدّة معدودة متناهية.
{ (105) يَوْمَ يَأتِ } وقرئ بحذفِ الياءِ { لاَ تَكَلَّمُ } لا تتكلم { نَفْسٌ } بما ينفع وينجي { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } باذن الله كقوله
{ { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [النبأ: 38] ورضي له قولاً وهذا في موطن من مواطن ذلك اليوم وقوله { { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 35-36] في مواطن أخر منها كما في التوحيد عن أمير المؤمنين { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ } وجَبَت له النار بمقتضى الوعيد { وَسَعِيدٌ } وَجَبت له الجنّة بموجب الوعد.
{ (106) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفيرٌ وَشَهِيقٌ } الزّفير اخراج النَّفَس والشهيق ردّه دلّ بهما على شدّة كربهم وغمِّهِم.
{ (107) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }.
{ (108) وَأمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } غير مقطوع.
القميّ في هذه الآية يوم يأتي والتي بعدها هذا في نار الدنيا قبل يوم القيامة قال وامّا قوله { وأمّا الذينَ سُعدوا ففي الجنّةِ خالدين فيها } يعني في جنان الدّنيا التي تنقل إليها أرواح المؤمنين { ما دامَت السّموات والأرضُ إلاّ ما شَآءَ رَبّك عطاءَ غير مجذوذ } يعني غير مقطوع من نعيم الآخِرة في الجنّةِ يكون متّصلاً به قال وهو ردّ على من أنكر عذاب القبر والثّواب والعقاب في الدّنيا والبرزخ قبل يوم القيامة.
أقول: ويؤيّد هذا التفسير قوله تعالى
{ { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } [غافر: 46].
قال الصادق عليه السلام إنّ هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة إذا لا غدوّ ولا عشيّ في القيامة ثم قال ألم تسمع قول الله عزّ وجلّ يومَ تقوم السّاعة
{ { أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 46] ويؤيّد أيضاً قوله ما دامت السّموات والأرض يعني سموات الدنيا وأرضها كما هو معلُوم.
والعياشي عن الباقر والصادق عليهمَا السلام ما معناه أنّ المراد بالجنّة والنّار في هذه الآية ولاية آل محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلم وولاية أعدائهم.
قال قال الصادق عليه السلام قال الجاهل بعلم التفسير إِنّ هذا الاستثناء من الله إنّما هو لمن دخل الجنّة والنّار وذلك أنّ الفريقين جميعاً يخرجان منهما فتبقيان وليس فيهما أحد وكذبوا قال والله تبارك وتعالى ليس يخرج أهل الجنّة ولا كلّ أهل النار منهما أبداً كيف يكون ذلك وقد قال الله تعالى في كتابه
{ { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } [الكهف: 3] ليس فيهِ استثناء.
وقال الباقر عليه السلام هاتان الآيتان في غير أهل الخلود من أهل الشقاوة والسّعادة.
{ (109) فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } فِي شَكٍّ { مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلآَءِ } بعدما أنزل عليك من هذه القصَص في سوءِ عاقبة عبادتهم للأوثان وتعرّضهم بها لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرَسُولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم ووعد له بالانتقام منهم ووعيد لهم { مَا يَعْبُدُونَ إلاَّ كَمَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبْلُ } أي حالهم في الشِّرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت بين الحالتين فينزل بهم مثل ما نزل بآبائهم تعليل للنّهي عن المرية { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ } حظّهم من العذاب كآبائهم { غَيْرَ مَنْقُوصٍ } بلا نقص.