التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ
٣٥
وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ
٣٧
وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ
٣٨
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٣٩
حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
-هود

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (35) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } اعتراض { قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَىَّ إِجْرَامِي } وباله، وقرىء بفتح الهمزة على الجمع { وَأنَا بَرِيءٌُ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } من اجرامكم في اسناد الإِفتراءِ اليّ.
{ (36) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ } فلا تحزن حزن بائس مستكين { بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } اقنطه الله من إيمانهم ونهاهُ أن يغتمّ بما فعلوه من التكذيب والايذاء.
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنّ نوحاً لبث في قومه ألفَ سَنة الا خمسين عاماً يدعوهم سرّاً وعلانية فلمّا أبوا وعتوا قال ربّ إنّي مغلوب فانتصر فأوحى الله تعالى إِليه { أَنّه لن يؤمن من قومك إِلا من قد آمن فلا تبتِئس بما كانوا يفعلون } فلذلك قال نوح
{ { وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [نوح: 27] { (37) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } متلبّساً بأعيننا عبّر بكثرة آلة الحِسِّ الذي به يحفظ الشيء ويراعى عن الإِختلال والزّيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريقة التمثيل { وَوَحْيِنَا } إليك كيف تصنعها { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ } ولا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم { إنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } محكوم عليهم بالإِغراق فلا سبيل إلى كفّه.
{ (38) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ } حكاية حال ماضيه { وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ } استهزؤا به لعمله السفينة قيل إِنّه كان يعملها في بريّة بعيدة من الماءِ أو ان نجرته وكانوا يضحكون منه ويقولون صرت نجّاراً بعدما كنت نبيّاً.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام أنّ نوحاً لمّا غرس النّوى مرّ عليه قومه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون قد قعد غرّاساً حتى اذا طال النّخل وكان جبّاراً طوّالاً قطعه ثم نحته فقالوا قد قعد نجّاراً ثم الّفه فجعله سفينة فمرّوا عليه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون قد قعد ملاّحاً في فلاة من الأرض حتى فرغ منها { قَالَ إِن تسْخَرُواْ مِنَّا فَِإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } إِذا اخذكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخِرة { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.
{ (39) مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } يعني به إيّاهم وبالعذاب الغرق { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } دائم وهو عذاب النار.
{ (40) حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ } نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور.
في الكافي والمجمع عن الصادق عليه السلام كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة المسجد يعني الكوفة فقيل له فان ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم ثم سئل وكان بدو خروج الماء من ذلك التنور فقال نعم إنّ الله عزّوجلّ أحبّ أن يري قوم نوح آية ثم إن الله تعالى أرسل المطر يفيض فيضاً وفاض الفرات فيضاً والعيون كلّهنّ فيضاً فغرقهم الله وأنجى نوحاً ومن معه في السفينة.
وفيه العياشي عنه عليه السلام جاءت امرأة نوح وهو يعمل السفينة فقالت له ان التّنّور قد خرج منه ماء فقام إليه مسرعاً حتى جعل الطّبق عليه فختمه بخاتمه فقام الماء فلمّا فرغ من السفينة جاءَ الى خاتمه ففضه وكشف الطّبق ففار الماء.
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام أن نوحاً لمّا فرغ من السفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربّه في اهلاك قومه أن يفور التنّور ففار فقالت امرأته إنّ التنور قد فار فقام اليه فختمه فقام الماء وادخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج ثمّ جاء إلى خاتمه ونزعه يقول الله
{ { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القمر: 11-12] وكان نجرها في وسط مسجدكم { قُلْنَا احْمِلْ فِيها } في السفينة { مِنْ كُلَّ زَوْجَينِ } أي من كلّ صنف ذكر وصنف أنثى وقرى بتنوين كل أي من كلّ نوع من الحيوانات المنتفع بها زوجين إِثْنَيْن ذكراً وانثى { وَاهْلَكَ } أريد امرأته وبنوه ونساؤهم { إِلاَّ من سبق عَلَيْهِ الْقَولُ } بأنه من المغرقين أريد ابنه كنعان وامرأته واهله فانهما كانا كافرين { وَمَنْ ءَامَنَ } والمؤمنين من غيرهم { وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }.
في المجمع عن الصادق عليه السلام آمن مع نوح من قومه ثمانية نفر.
وفي المعاني عن الباقر عليه السلام مثله والقميّ عن الصادق عليه السلام في حديث فلمّا فرغ نوح من اتخاذ السفينة أمره الله ان ينادي بالسّريانية لا يبقى بهمية ولا حيوان إلاّ حضر فأدخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلاً فقال الله إحمل فيها من كل زوجين اثنين الآية وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة فلمّا كان في اليوم الذي أراد الله عزّوجلّ اهلاكهم كانت امرأة نوح تخبر في الموضع الذي يعرف بفار التّنّور في مسجد الكوفة وكان نوح عليه السلام قد اتّخذ لكل ضرب من أجناس الحيوان موضعاً في السفينة وجمع لهم فيها ما يحتاجون إليه من الغذاء فصاحت امرأته لمّا فار التّنّور فجاء نوح الى التّنّور فوضع عليها طينا وختمه حتى ادخل جميع الحيوان السفينة ثم جاء الى التّنّور ففضّ الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس وجاء من السماءِ ماء منهمر صب بلا قطر وتفجّرت الأرض عيوناً وهو قوله سبحانه
{ { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القمر: 11-12]
وعن الباقر عليه السلام ليس كل من في الأرض من بني آدم من ولد نوح عليه السلام قال الله تعالى في كتابه { إحمل فيها من كل زوجين اثنين } إلى قوله { ومن آمن } وقال
{ { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [الإسراء: 3] عليه السلام.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام حمل نوح في السفينة الأزواج الثمانية التي قال الله
{ { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [الأنعام: 143] فكان من الضأن اثنين زوج داجنة يربّيها الناس والزّوج الآخر الضّأن التي تكون قي الجبال الوحشيّة أحل لهم صيدها الحديث.
وقد سبق تمامه في سورة الأنعام وفي المجمع، والقميّ عنه عليه السلام لمّا أراد الله هلاك قوم نوح عليه السلام عقّم أرحام النّساءِ أربعين سنة فلم يلد لهم مولود ولمّا فرغ نوح من اتخاذ السفينة أمره الله أن ينادي بالسّريانيّة أن يجتمع جميع الحيوانات فلم يبق حيوان إلا حضر فأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين ما خلا الفأر والسّنّور وأنهم لمّا شكوا من سرقين الدّوابّ والقذر دعا بالخنزير فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج فتناسل فلمّا كثروا شكوا إليه منها فدعا بالأسد فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج سنّور وفي حديث آخر أنّهم شكوا العذرة فأمر الله تعالى الفيل فعطس فسقط الخنزير.
والعياشي عند عليه السلام أنّ نوحاً حمل الكلب في السفينة ولم يحمل ولد الزّنا وعنه عليه السلام ينبغي لولد الزّنا أن لا تجوز له شهادة ولا يؤمّ بالناس لم يحمله نوح في السفينة وقد حمل فيهَا الكلب والخنزير.
وفي العلل عن الرضا عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه سئل ما بال الماعز معرقبة الذّنب بادية الحياءِ والعورة فقال لأنّ الماعز عصت نوحاً لما أدخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها والنعجة مستورة الحياءِ والعورة لأن النعجة بادرت بالدّخول الى السّفينة فمسح نوح يده على حيائها وذنبها فاستوت الألية.
وفي الخصال عن الرضا عليه السلام اتّخذ نوح في الفلك تسعين بيتاً للبهائم.
والعياشي عن الصادق عليه السلام أنّ الله أمر نوحاً أن يحمل في السفينة من كلّ زوجين اثنين فحمل الفحل والعجوة فكانا زوجاً.
في الكافي والعياشي عنه عليه السلام كان طول سفينة نوح عليه السلام الف ومأتي ذراع عرضها ثمانمأة ذراع وطولها في السماء ثمانين ذراعاً.
والقميّ عنه عليه السلام مثله كما يأتي وفي العيون في الخبر الشّامي وذكر الطّول ثمانمأة والعرض خمسمأة.
وفي الكافي عنه عليه السلام في فضل مسجد الكوفة قال ومنه فار التّنّور وفيه بحرت السفينة.
ومثله في المجمع عن الباقر عليه السلام وفي رواية في الكافي ومنه سارت.
والعياشي عن سلمان عن أمير المؤمنين عليه السلام في فضله فيه نجر نوح سفينته وفيه فار التّنّور وبه كان بيت نوح مسجده.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام وكان منزل نوح عليه السلام وقومه في قرية على منزل من الفرات ممّا يلي غربيّ الكوفة وكان نوح عليه السلام رجلاً نجاراً فجعَله الله نبيّاً وانتجبه ونوح عليه السلام أوّل من عمل سفينة تجري على ظهر الماءِ قال ولبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً يدعوهم الى الهدى فيمرّون به ويسخرون منه فلمّا رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال يا ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً فأوحى الله إليه يا نوح اصنع الفلك واوسعها وعجّل عملها بأعيننا ووحينا فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده يأتي بالخشب من بُعد حتى فرغ منها سئل في كم عمل نوح عليه السلام سفينته حتى فرغ منه قال في دورين قيل وكم الدّورين قال ثمانون سنة قيل فانّ العامة يقولون عملها في خمسمأة عام فقال كلاّ والله كيف والله يقول ووحينا.
أقول: آخر الحديث يحتمل معنيين أحدهما إنّ ما يكون بأمر الله وتعليمه كيف يطول زمانه إلى هذه المدّة والثاني أن يكون قد فسّر الوحي هنا بالسّرعة والعجلة فانّه جاء بهذا المعنى يقال الوحا الوحا ممدوداً ومقصوراً يعني البدار البدار والمعنى الثاني أتمّ في الاستشهاد.