التفاسير

< >
عرض

وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٣٦
قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٣٧
وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ
٣٨
يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
٣٩
مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٠
يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ
٤١
-يوسف

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (36) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ }.
القميّ عبدان للملك أحدهما خبّازه والآخر صاحب الشراب { قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي } أي أرى في المنام وهي حكاية حال ماضية { أَعْصِرُ خَمْراً } أي عنباً سماه بما يؤل إليه { وَقَالَ الآخَرُ إِنَِّي أرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأَسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ } العياشي عن الصادق عليه السلام قال أحمل فوق رأسي جفنة فيها خبز تأكل الطير منه { نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } العياشي عن الصادق عليه السلام لّما أمر الملك بحبس يوسف في السّجن الهمه الله تعالى علم تأويل الرّؤيا فكان يعبّر لأهل السّجن رؤياهم وان فتيان أدخلا معه السّجن يوم حبسه لمّا باتا أصبحا فقالا له إنّا رأينا رؤيا فعبرها لنا فقال وما رأيتما فقال أحدهما إنّي أراني الآية { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ } في الكافي عن الصادق عليه السلام كان يوسّع المجلس ويستقرض للمُحتاج ويعين الضعيف.
والقميّ عنه عليه السلام كان يقوم على المريض ويلتمس للمحتاج ويوسع على المحبُوس وقيل مّمن يحُسن تأويل الرّؤيا أي يعلمه.
{ (37) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيِلهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا } أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألا منه كما هو طريقة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في الهداية والإرشاد فقدم ما يكون معجزة له من الاخبار بالغيب ليدلّهما على صدقه في الدعوة والتعبير { ذَلِكُمَا } أي ذلك التأويل { مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي } بالالهام والوحي وليس من قبيل التكهّن والتنجمّ { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }.
{ (38) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } تعليل لما قبله وتمهيد للدعوة واظهار انّه من أهلِ بيت النبوة لتقوّى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق عليه { مَا كَانَ لَنَا } ما صحّ لنا معشر الأنبياء { أَن نُشْرِكَ باِللهِ مِن شَيْءٍ } أيّ شيء كان { ذَلِكَ } أي التوحيد { مِن فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا } بالوحي { وَعَلىَ النَّاسِ } وعلى سائر الناس ببعثنا لإرشادهم وتنبيهِهِم عليه { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ } المبعوث إليهم { لاَ يَشْكُرُونَ } هذا الفضل والنّعمة فيعرضون عنه ولا ينتبهون.
{ (39) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ } يا ساكنيه أو يا صاحبيّ فيه كقولهم يا سارق الليلة { ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ } شتّى متعددة متساوية الأقدام { خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ } المتوحد بالألوهية { الْقَهَّارُ } الغالب الذي لا يعادله شيء ولا يقاومه غيره.
{ (40) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر { إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَآ أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } يعني الأشياء سمّيتموها آلِهة من غير حجة تدل على استحقاقهَا الإِلهيّة وانّما تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجرّدة { إِنِ الْحُكْمُ } في أمر العبادة { إِلاَّ لِلَّهِ } لأنّه المستحق لها بالذاتِ { أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } الحقّ { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } فيخبطون في جهالتهم.
{ (41) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا } يعني صاحب الشراب { فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً } كما يسقيه قبل.
القميّ قال له يوسف عليه السلام تخرج من السجن وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده { وَأَمَّا الآخَرُ } يعني الخّباز { فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ } القميّ ولم يكن رأى ذلك وكذب فقال له يوسف أنت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطّير من دماغك فجحد الرّجل فقال إنّي لم أَرى ذلك فقال يوسف عليه السلام { قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } وهو ما يؤول إليه أمركما يعني قطع وفرغ منه صدقتما أو كذبتما.