التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
١٢
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ
١٣
وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ
١٤
وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
١٥
مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ
١٦
يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ
١٧
مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ
١٨
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
١٩
وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ
٢٠
-إبراهيم

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (12) وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ } أي أيّ عذر لنا في أن لا نتوكل { وَقَدْ هَدانَا سُبُلَنَا } التي بها نعرفه ونعلم أنّ الأمور كلّها بيده { وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }.
{ (13) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } حلفوا أن يكون أحد الأمرين والعود بمعنى الصّيرورة لأنّهم لم يكونوا على ملّتهم قطّ { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } أي الى الرّسل { لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ }.
{ (14) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } أي أرضهم وديارهم.
القميّ مرفوعاً عن النّبيّ صلىَّ اللهُ عليه وآله وسلم
"من آذى جاره طمعاً في مسكنه ورثه الله داره وقرأ هذه الآية" .
وفي المجمع جاءَ في الحديث "من آذى جاره ورثه الله داره" { ذَلِكَ } أي اهلاك الظالمين واسكان المؤمنين { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } أي موقفي للحساب { وَخَافَ وَعِيدِ } أي وعيدي بالعذاب.
{ (15) وَاسْتَفْتَحُوا } سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم وبين أعاديهم من الفتاحة بمعنى الحكومة { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } في التوحيد عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم يعني من أبى أن يقول لا إله إلا الله.
والقميّ عن الباقر عليه السلام العنيد المعرض عن الحقّ.
{ (16) مِّن وَرائِهِ جَهَنَّمُ } من بين يدي هذا الجبّار نار جهنّم فانّه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخِرة { وَيُسْقَى } أي يلقى فيها ويسقى { مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ }.
في المجمع عن الصادق عليه السلام أي ويسقى ممّا يسيل من الدم والقيح من فروج الزّواني في النّار.
وعن النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم
"قال يقرب إليه فيكرهه فاذا أدنى منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه فاذا شرب قطع أمعاؤه حتى يخرج من دبره يقول الله عزّ وجلّ وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءَهم ويقول وان يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه" والقميّ ما يقرب منه.
{ (17) يَتَجَرَّعُهُ } يتكلّف جرعه { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } ولا يقارب أن يسيغه فيكف يسيغه { وَيَأْتِيهِ الْمْوتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } أي أسبابه من الشّدائد فيُحيط به من جميع الجهاتِ { وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } فيستريح { وَمِن وَرآئِهِ } ومن بين يديه { عَذَابٌ غَلِيظٌ } أي يستقبل في كلّ وقت عذاباً أشدّ مّما هو عليه.
العياشي عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام أنّ أهل النّار لمّا غلي الزّقوم والضَّريع في بطونهم كغلي الحميم سألوا الشراب فأتوا بشراب غسّاق وصديد يتجّرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كلّ مكان وما هو بميّت ومن ورائه عذاب غليظ حميم تغلي به جهنّم منذ خلقت كالمهل يشوي الوجوه بئس الشرّاب وساءت مرتفقاً.
{ (18) مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِهِّمْ } صفتهم التي هي مثل في الغرابة { أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ } حملته وأسرعت الذهاب به { فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } العصف اشتداد الرّيح وصف اليوم به للمبالغة كقولهم نهاره صائم شبّه مكارمهم من الصدقة وصلة الرّحمِ وعتق الرّقاب واغاثة الملهوف في حبوطها وذهابها هباءً منثوراً لبنائها على غير أساس من معرفة الله والتوجه بها إليه برماد طيّرته الريح العاصف { لاَّ يَقْدِرُونَ } يوم القيامة { مِمَّا كَسَبُوا } منها { عَلَى شَيْءٍ } يعني لا يرون لشيء منها ثواباً { ذَلِكَ } أي ضلالهم مع حسبانهم أنّهم محسِنُون { هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ } في غاية البعد عن الحقّ.
{ (19) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ } بالحكمة والغرض الصحيح ولم يخلقها عبثاً باطلاً وقرىء خالق السموات { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } يعدمكم ويخلق مكانكم خلقاً آخرين.
{ (20) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ } بمتعذّر أو متعسّر.