التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً
٢٧
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً
٢٨
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً
٢٩
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
٣٠
-الإسراء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (27) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } أمثالهم السالكين طريقتهم وهذا هو غاية الذّمّ { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } مبالغاً في الكفر فينبغي أن لا يطاع.
{ (28) وَإِمَّا تُعْرَضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً } وان تعرض عن هؤلاء الذينَ أمرتك بايتاءِ حقوقهم حياء من الرّدّ لتبتغي الفضلَ من ربك والسعة التي يمكنك معها البذل فقل لهم قولاً ليّناً وعِدهم عِدة جميلة فوضع الإِبتغاء موضع فقد الرّزق لأنّ فاقد الرّزق مبتغ له.
وفي المجمع والعياشي روي أنَّ النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم كانَ لمّا نزلَتْ هذه الآية إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال يرزقنَا الله وإيّاكم من فضله.
{ (29) وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } تمثيل لمنع الشحيح واسراف المبذّر نهى عنهما وأمَرَ بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم والجود { فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً }.
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام
"أنّ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئاً إلاّ أعطاه فأرسلت إليه امرأة ابناً لها فقالت انطلق إليه فاسأله فان قال ليس عندنا شيء فقل أعطني قميصك قال فأخذ قميصَه وأعطاه فأدّبه الله على القصد فقال ولا تجعل يدك الآية" .
وفي الكافي عنه عليه السلام في حديث ثمّ علّم الله نبيّه كيف ينفق وذلك أنّه كانت عنده أوقيّة من الذهب فكره أن تبيت عنده فتصدّق بها وأصبح وليس عنده شيء وجاء مَن يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السّائل واغتّم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيماً رقيقاً فأدّب الله نبيه بأمره فقال ولا تجعل يَدك الآية يقول قد يسألونك ولا يعذرونك فاذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال.
وعنه عليه السلام في هذه الآية قال الإِحسار الفاقة.
والعياشي عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم في هذه الآية الإِحسار الاقتار والقمّي قال كان سبب نزولها أنّ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم كان لا يردّ أحداً يسأله شيئاً عنده فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شيء فقال يكون إن شاء الله فقال يا رسول الله أعطني قميصك فأعطاه قميصه فأنزل الله ولا تجعل الآية فنهاه الله أن يبخل ويسرف ويقعد محسوراً من الثياب فقال الصادق عليه السلام المحسور العريان.
وفي التهذيب والعياشي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك قال ضمّ يديه فقال هكذا ولا تبسُطها كلَّ البسط قل بسط راحته وقال هكذا.
{ (30) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } يوسّعه ويضيّقه بحَسَب المَصْلحة { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } فيعلم مصالحهم وما ينبغي لهم وما لا ينبغي كما ورد في الحَديثِ القدسيّ وانّ من عبادي من لا يصلحه إلاّ الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وانّ من عبادي من لا يصلحة إلاّ الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وقال وإنِّي لأعلم بمصالح عبادي وتمام الحديث يطلب من الكافي وفي نهج البلاغة وقدّر الأرزاق فكثّرها وقلّلها وقسمها على الضيق وَالسِّعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيّها وفقيرها.