التفاسير

< >
عرض

إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
٤٠
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً
٤١
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً
٤٢
يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً
٤٣
يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً
٤٤
يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً
٤٥
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً
٤٦
قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً
٤٧
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً
٤٨
-مريم

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (40) إِنّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } لا يبقى فيها مالك ولا متصرّف.
القمّي قال كلّ شيء خلقه الله يرثه الله يوم القيامة { وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } مردودون للجزاء.
{ (41) وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً } ملازماً للصّدق كثير التّصديق لكتب الله وآياته وانبيائه وكان نبيّاً في نفسه.
{ (42) إِذْ قَالَ لأِبِيهِ } قد سبق الكلام في كونه اباه او انّه كان عمه او جدّه لأمّه لطهارة آباء الأنبياء عن الشّرك { يَا أَبَتِ } التّاء معوّضة عن ياء الإِضافة وانّما يذكر للاستعطاف ولذلك كرّرها { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ } فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك { وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } في جلب نفع ودفع ضرّ.
{ (43) يَا أَبَتِ إِنَّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَطاً سَوِيّاً }.
{ (44) يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً }
{ (45) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحمن فَتَكُونَ لِلشّيْطَانِ وَلِيّاً } دعا صلوات الله عليه الى الهدى وبيّن ضلاله واحتج عليها ابلغ احتجاج وارشقه برفق وحسن ادب حيث لم يصرّح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه الى عبادة ما لا يستحق للعبادة بوجه ثم دعاه الى ان يتبعه ليهديه الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن مستقلاً بالنظر السّويّ ولم يسّمه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفايق بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون اعرف بالطريق ثم ثبطه عمّا كان عليه بأنه مع خلوّه عن النفع مستلزم للضرّ فانّه في الحقيقة عبادة الشيطان فانّه الامر به وبيّن ان الشيطان مستعص لربّك المولى للنّعم كلّها وكلّ عاص حقيق بأن يستردّ منه النّعم وينتقم منه ولذلك عقّبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجّره اليه من صيرورته قريباً للشيطان في اللّعن والعذاب.
{ (46) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءَالِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ } قابل استعطافه ولطفه في الارشاد بالفظاظة وغلظة العناد فناداه باسمه ولم يقابل بيا بنيَّ واخّره وقدّم الخبر على المبتدأ وصدّره بهمزة الانكار على ضرب من التعجّب ثمّ هدّده { لَئِن لَمْ تَنتَهِ } عن مقالك فيها والرّغبة عنها { لأَرْجُمَنَّكَ } بلساني او بالحجارة { وَاهْجُرْنِي } واحذرني واهجرني بالذّهاب عنّي { مَلِيّاً } زماناً طويلاً.
{ (47) قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ } توديع ومتاركة ومقابلة للسّيئة بالحسنة اي لا اصيبك بمكروه ولا اقول لك بعد ما يؤذيك { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } لعلّه يوفّقك للتّوبة والايمان { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } بليغاً في البرّ والاعطاف.
{ (48) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مَن دُونِ اللهِ } بالمهاجرة بديني { وَأَدْعُوا رَبِّي } واعبده وحده { عَسَى أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيّاً } خائباً ضايع السّعي مثلكم في دعاء الهتكم وفي تصدير الكلام بعسى التّواضع وهضم النفس والتنبيه على ان الاجابة والاثابة تفضل غير واجب وان ملاك الامر خاتمته وهو غيب.