التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
١٣٤
وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١٣٥
قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
١٣٦
فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١٣٧
صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ
١٣٨
قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
١٣٩
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ } يعني إبراهيم ويعقوب وبنيهما { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مّا كَسَبْتُمْ } لكل أجر عمله.
أقول: يعني انتسابكم إليهم لا ينفعكم وإنما الانتفاع بالأعمال. { وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } لا تؤخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم.
{ (135) وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } قالت اليهود كونوا هوداً تهتدوا وقالت النصارى كونوا نصارى تهتدوا { قُلْ بَلْ مِلّةَ إبْرَاهيمَ } بل نكون أهل ملة إبراهيم متبعين له { حَنِيفاً } مائلاً عن كل دين إلى دين الحق.
العياشي عن الصادق عليه السلام قال الحنيفيّة هي الإسلام، وعن الباقر عليه السلام قال ما أبقت الحنيفية شيئاً حتى ان منها قص الشارب وقلم الأظافر والختان { وَمَا كَانَ } إبراهيم { مِنَ الْمُشْرِكِينَ } تعريض لأهل الكتابين فانهم كانوا يدعون اتّباع ملّة إبراهيم وهم مع ذلك كانوا على الشرك.
{ (136) قُولُوا آمَنّا بِاللهِ }.
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام إنما عني بذلك علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجرت في الأئمة عليهم السلام ثم يرجع القول من الله في الناس فقال فان آمنوا يعني الناس بما آمنتم به الآية والعياشي مضمراً وأما قوله قولوا فهم آل محمد عليهم السلام. { وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } يعني القرآن { وَمَا أُنْزِلَ إلى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسْبَاطِ } يعني الصحف والأسباط حفدة يعقوب.
العياشي: عن الباقر عليه السلام أنه سئل هل كان ولد يعقوب أنبياء قال: لا ولكنهم كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء ولم يكونوا فارقوا الدنيا الا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا.
{ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى } التوراة والانجيل { وَمَا أُوتِيَ النّبِيُّونَ } جملة المذكورون منهم وغير المذكورين { مِنْ رَبِّهِمْ } نزّل عليهم من ربهم { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } كاليهود يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وأحد لوقوعه في سياق النفي عمّ فساغ أن يضاف إليه بين { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } مذعنون مخلصون.
في الخصال فيما علّم أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه إذا قرأتم قولوا آمنّا فقولوا آمنا إلى قوله مسلمون.
وفي الفقيه في وصاياه لابنه محمد بن الحنفيّة وفرض على اللسان الاقرار والتعبير عن القلب بما عقده عليه فقال عز وجل قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية.
{ (137) فإنْ آمَنُوا } أي سائر الناس { بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ } بما آمنتم به والمثل مقحم في مثله كما في قوله تعالى وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أي عليه وقرئ بحذفه { فَقَدْ اهْتَدُوا وَإنْ تَوَلُّوا } أعرضوا { فَإِنَّما هُمْ فِي شِقَاقٍ } في كفر كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام وأصله المخالفة والمناوأة فان كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ } تسلية وتسكين للمؤمنين ووعد لهم بالحفظ والنصر على من ناوأهم { وَهُوَ السّمِيعُ } لأقوالكم { الْعَلِيمُ } باخلاصكم.
{ (138) صِبْغَةَ اللهِ } صبغنا الله صبغة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها وفسرها الصادق عليه السلام بالاسلام كما في الكافي ورواه العياشي وعنه هي صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق وقيل سمي صبغة لأنه ظهر عليهم أثره ظهور الصّبغ على المصبوغ وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب أو للمشاركة فان النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمّونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقق نصرانيّتهم { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً } لا صبغة أحسن من صبغته { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم.
{ (139) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا } أتجادلوننا { فِي اللهِ } في شأنه واصطفائه نبياً من العرب قيل ان أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منا وديننا أقدم وكتابنا أسبق فلو كنت نبياً لكنت منا فنزلت { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } لا اختصاص له بقوم دون قوم يصيب برحمته من يشاء { وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } موحدون نخلصه بالإِيمان والطاعة دونكم.