التفاسير

< >
عرض

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ
١٥٥
ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
١٥٦
أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ
١٥٧
إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ
١٥٨
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } ولنصيبنكم إصابة المختبر هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء { بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } أي بالجنة كما مرّ.
وفي نهج البلاغة إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكّر ويزدجر مزدجر.
وفي الاكمال عن الصادق عليه السلام ان هذه علامات قيام القائم يكون من الله عز وجل للمؤمنين قال بشيء من الخوف من ملوك بني أمية في آخر سلطانهم والجوع بغلاء أسعارهم ونقص من الأموال فساد التجارات وقلّة الفضل ونقص من الأنفس الموت الذريع ونقص من الثمرات بقلّة ريع ما يزرع وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السلام ثم قال هذا تأويله ان الله عز وجل يقول وما يعلم تأويله إلا الله والرّاسخون في العلم.
{ (156) الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } في الحديث كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة { قَالُوا إنّا لِلهِ وَإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ }.
في نهج البلاغة: إن قولنا انا لله إقرار على أنفسنا بالملك وقولنا إنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك.
وفي المجمع: عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم
"من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفاً صالحاً يرضيه، وقال قال من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعاً وان تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب" .
وفي الكافي: عن الباقر عليه السلام ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكره المصيبة ويصبر حين تفجأه إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وكل ما ذكر مصيبة فاسترجع عند ذكره المصيبة غفر الله له كل ذنب فيما بينهما.
وعن الصادق عليه السلام من ذكر مصيبة ولو بعد حين فقال إنا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم أجرني على مصيبتي واخلف علي أفضل منها كان له من الأجر مثل ما كان له عند أول صدمته.
وفي الخصال والعياشي: عنه عليه السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم
"أربع خصال من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ومن إذا أصابته مصيبة قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ومن إذا أصاب خيراً قال الحمد لله ومن إذا أصابته خطيئة قال استغفر الله وأتوب إليه" .
{ (157) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَة وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } قيل الصلاة من الله التزكية والمغفرة والرحمة واللطف والإحسان.
وفي الخصال والعياشي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم
"قال الله إني جعلت الدنيا بين عبادي فيضاً فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكل واحدة منها عشراً إلى سبعماءة ضعف وما شئت من ذلك ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه قسراً أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا الصلاة والهداية والرحمة" إن الله تعالى يقول الذين إذا أصابتهم مصيبة الآية.
{ (158) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ } هما علما جبلين بمكة { مِنْ شَعَائرِ اللهِ } من أعلام مناسكه جمع شعيرة وهي العلامة { فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ } الحج لغة القصد والاعتمار الزيارة فغلّبا شرعاً على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطّوَّفَ بِهِمَا } العياشي عن الباقر عليه السلام أي لا حرج عليه أن يطوف بهما.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أم سنة فقال فريضة قيل أو ليس قال الله عز وجل فلا جناح عليه أن يطوف بهما، قال كان ذلك في عمرة القضاء أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة فتشاغل رجل عن السعي حتى انقضت الأيام واعيدت الأصنام فجاؤوا إليه فقالوا يا رسول الله إن فلاناً لم يسع بين الصفا والمروة وقد اعيدت الأصنام فأنزل الله تعالى: { إن الصّفا والمروة } إلى قوله فلا جناح عليه أن يطوف بهما أي وعليهما الأصنام.
والقمّي أن قريشاً كانت وضعت أصنامهم بين الصفا والمروة ويتمسّحون بها إذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في غزوة الحديبيّة ما كان وصدّوه عن البيت وشرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة أيام ثم يخرج عنه فلما كانت عمرة القضاء في سنة سَبْع من الهجرة دخل مكة وقال لقريش إرفعوا أصنامكم حتى أسعى فرفعوها الحديث كما في الكافي بأدنى تفاوت.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أن المسلمين كانوا يظنون أن السعي ما بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله هذه الآية، وعنه عليه السلام جعل السعي بين الصفا والمروة مذلّة للجبّارين { وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً } فأكثر الطواف أوف على طاعة أخرى وقرئ بالياء وتشديد الطاء وجزم العين { فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ } مثيب عليه لا يخفى عليه.
أقول: الآية الآتية وما بعدها إلى قوله سبحانه: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت مما وجد من تفسير أبي محمد الزكيّ تفسيره ويكون بناء تفسيرنا فيها عليه كما كان فيما سبق فيما يوجد منه.