التفاسير

< >
عرض

وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٧٩
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ
١٨٠
فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٨١
فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٨٢
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (179) وَلَكُمْ } يا أمة محمد { فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ } لأن من همّ بالقتل فعرف أنه يقتصّ منه فكفّ لذلك عن القتل كان حياة للذي همّ بقتله وحياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل وحياة لغيرهما من الناس إذا علموا أن القصاص واجب لا يجترؤون على القتل مخافة القصاص قيل هذا من أوجز الكلام وأفصحه.
وفي الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال أربع قلت فأنزل الله تصديقي في كتابه وعدّ منها قلت القتل يقلّ القتل فأنزل الله تعالى ولكم في القصاص حياة { يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } أولي العقول قيل ناداهم للتأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس { لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ } { (180) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ } حضر أسبابه وظهر إماراته { إنْ تَرَك خَيْراً } مالاً كثيراً.
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه دخل على مولى له في مرضه وله سبع ماءة درهم أو ستماءة درهم فقال ألا أوصي قال لا إنما قال الله إن ترك خيراً وليس لك كثير مال { الْوَصِيّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ } بالشيء الذي يعرف العقل أنه لا جور فيه ولا جنف { حَقّاً عَلَى الْمُتّقِينَ }.
العيّاشي: عن أحدهما هي منسوخة بآية المواريث وحملت على التقية لموافقتها مذهب العامة ومخالفتها القرآن ولما في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن الوصية للوارث فقال تجوز ثم تلا هذه الآية وفي معناه أخبار أُخر كثيرة.
أقول: نسخ الوجوب لا ينافي بقاء الجواز.
وفي المجمع والعياشي عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية.
وفي الفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه شيء جعله الله تعالى لصاحب هذا الأمر قيل هل لذلك حد قال أدنى ما يكون ثلث الثلث.
والعياشي عنه عليه السلام حق جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر قيل لذلك حد محدود قال نعم قيل كم قال أدناه السدس وأكثره الثلث.
{ (181) فَمَنْ بدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنّما إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلَيمٌ } وعيد للمبدل بغير حق.
في الكافي عن أحدهما عليهما السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام في رجل أوصى بماله في سبيل الله قال أعطه لمن أوصى به له وإن كان يهودياً أو نصرانياً إن الله يقول وتلا هذه الآية وفي معناه أخبار كثيرة وفي عدة منها أنه يغرمها إذا خالف.
{ (182) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ } وقرئ بفتح الواو وتشديد الصاد توقع وعلم { جَنَفاً أوْ إثْماً } مَيْلاً عن الحق بالخطأ أو التعمد كذا في المجمع عن الباقر عليه السلام.
وفي العلل والعياشي عن الصادق يعني إذا اعتدى في الوصية.
وزاد العياشي وزاد على الثلث ويأتي له معنى آخر.
وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام ان الجنف في الوصية من الكبائر { فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ } بين الورثة والموصي لهم { فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ } في التبديل لأنه تبديل باطل إلى الحق { إنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وعد للمصلح وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الاثم.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن قول الله تعالى فمن بدّله قال نسختها الآية التي بعدها فمن خاف من موص جَنَفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه قال يعني الموصي إليه أن خاف جنفاً من الموصي فيما أوصى به إليه فيما لا يرضى الله به من خلاف الحق فلا إثم على الموصى إليه أن يرده إلى الحق وإلى ما يرضى الله به من سبيل الخير.
وفي رواية في الكافي ان الله اطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم تكن بالمعروف وكان فيها جنف ويردّها إلى المعروف لقوله تعالى فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فاصلح بينهم فلا إثم عليه.
والقمّي عن الصادق عليه السلام إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي أن يغير وصيته بل يمضيها على ما أوصى إلا أن يوصي بغير ما أمر الله فعصي في الوصية ويظلم فالموصى إليه جائز له أن يردها إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض ورثته ويحرم بعضها فالوصي جائز له أن يردها إلى الحق وهو قوله تعالى جنفاً أو إثماً فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض والاثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي أن لا يعمل بشيء من ذلك.