التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ
٢٦
ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ
٢٧
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (26) إنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً }: للحقّ يوضحه به لعباده المؤمنين، مّا ما هو المثل.
أقول: يعني أي مثل كان فان ما لزيادة الإِبهام والشيوع في النّكرة { بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } وهو الذّباب ردٌ بذلك على من طعن في ضربه الأمثالَ بالذّباب والعنكبوت وبمستوقد النّار والصّيّب في كتابه.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام إنّما ضرب الله المثل بالبعوضة لأنّها على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق الله في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين فأراد الله أن ينبّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعه.
{ فأَمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } إنّه المثل المضروب الحقّ من ربهم أراد به الحق وإبانته والكشف عنه وإِيضاحه.
أقول: يعني يعلمون أنّ المعتبر في المثل أن يكون على وفق الممثل له في الصغر والعظم والخسّة والشّرف ليبيّنه ويوضحه حتى يصير في صورة المشاهد المحسوس دون الممثل.
{ وَأَمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً } أيّ شيء أراد به من جهة المثل { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } قيل هو جواب ماذا أي إضلال كثير بسبب إنكاره وهداية كثير من جهة قبوله فهو يجري مجرى البيان للجملتين المتقدمتين يعني أنّ كلا الفريقين موصوف بالكثرة ولسببيّته لهما نسبا إليه.
وفي تفسير الامام عليه السلام يعني: يقول الذين كفروا لا معنى للمثل لأنه وإن نفع به من يهديه فهو يضرّ به من يضلّ به فردّ الله عليهم قولهم فقال: { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلاّ الْفَاسِقِينَ } الخارجين عن دين الله الجانين على أنفسهم بترك تأمله وبوضعه على خلاف ما أمر الله بوضعه عليه.
{ (27) الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ }: المأخوذ عليهم لله بالرّبوبيّة ولمحمد صلّى الله عليه وآله بالنبوة ولعليّ عليه السلام بالإِمامة ولشيعتهما بالكرامة { مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ } إحكامه وتغليطه { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } من الارحام والقرابات أن يتعاهدوهم ويقضوا حقوقهم وأفضل رحم وأوجبهم حقاً رحم محمد صلّى الله عليه وآله وسلم فان حقهم بمحمد صلّى الله عليه وآله كما أن حقّ قرابات الإنسان بأبيه وأمّه ومحمد أعظم حقّاً من أبويه وكذلك حق رحمه أعظم وقطيعته أقطع وأفضح.
أقول: ويدخل في الآية التفريق بين الأنبياء والكتب في التصديق وترك موالاة المؤمنين وترك الجمعة والجماعات المفروضة وسائر ما فيه رفض خير أو تعاطي شرّ فانّه يقطع الوصلة بين الله وبين العبد التي هي المقصودة بالذّات من كل وصل وفصل. { وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ } بسبب قطع ما في وصله نظام العالم وصلاحه { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } الذين خسروا أنفسهم بما صاروا إلى النيران وحرموا الجنان فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد وحرمتهم نعيم الأبد.