التفاسير

< >
عرض

فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ
٣٦
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (36) فَأَزَلَّهُمَا } وقرئ فأزالهما { الشّيْطَانُ عَنْهَا } بوسوسته وخديعته وإيهامه وعداوته وغروره بأن بدأ بآدم فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ان تناولتما منها تعلمان الغيب وتقدران على ما يقدر عليه من خصّه الله تعالى بالقدرة أو تكونا من الخالدين لا تموتان أبداً وقاسمهما حلف لهما أني لكما لمن الناصحين وكان إِبليس بين لحيي الحيّة أدخلته الجنّة وكان آدم يظنّ أن الحيّة هي التي تخاطبه ولم يعلم أن إِبليس قد اختبى بين لحييها فرد آدم على الحيّة أيّتها الحية هذا من غرور إبليس كيف يخوننا ربنا أم كيف تعظّمين الله بالقسم به وانت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي وأتعاطاه بغير حكمه فلما أيس إبليس من قبول آدم (ع) منه عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها وقال يا حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عز وجل حرّمها عليكما فقد أحلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له وتوقيركما إياه وذلك أن الملائكة الموكلين بالشجرة التي معها الحراب يدفعون عنها سائر حيوانات الجنة لا تدفعك عنها إن رمتها فاعلمي بذلك أنه قد أحل لك وأبشري بأنّك إن تناولتها قبل آدم (ع) كنت أنت المسلّطة عليه الآمرة الناهية فوقه فقالت حواء: سوف أُجرب هذا فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن يدفعوها عنها بحرابها فأوحى الله إليها إنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره فامّا من جعلته متمكناً مميّزاً مختاراً فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه فان أطاع استحق ثوابي وإن عصى وخالف أمري استحق عقابي وجزائي فتركوها ولم يتعرضوا لها بعدما همّوا بمنعها بحرابهم فظنت أن الله نهاهم عن منعها لأنه قد أحلّها بعدما حرّمها فقالت صدقت الحيّة وظنت أن المخاطب لها هي الحية فتناولت منها ولم تنكر من نفسها شيئاً فقالت لآدم عليه السلام ألم تعلم أن الشجرة المحرّمة علينا قد أُبيحت لنا وتناولت منها ولم يمنعني املاكها ولم أنكر شيئاً من حالي فلذلك اغتر آدم عليه السلام وغلط فتناول { فَأَخْرَجَهُمَا مِمّا كَانَا فِيهِ } من النعم { وَقُلْنَا } يا آدم ويا حواء ويا أيّتها الحيّة ويا إبليس { اهْبِطُوا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } فآدم وحواء وولدهما عدوّ للحيّة وإبليس، وإبليس والحية وأولادهما أعداؤهم وكان هبوط آدم وحواء والحية من الجنة فان الحية كانت من أحسن دوابّها وهبوط إبليس من حواليها فانه كان يحرم عليه دخول الجنة.
أقول: لعله إنما يحرم عليه دخول الجنة بارزاً بحيث يعرف وذلك لأنه قد دخلها مختفياً في فم الحية ليدلّيهما بغرور كما ورد في حديث آخر وبهذا يرتفع التّنافي بين هذا الحديث وبين الحديث الذي مرّ أنّها لو كانت من جنان الخلد لم يدخلها إبليس أراد به دخولها في فم الحية فليتدبر.
{ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌ } منزل ومقرّ للمعاش { وَمَتَاعٌ } منفعة { إلى حينٍ } الموت يخرج الله منها زروعكم وثماركم وبها ينزّهكم وينعِّمكم وفيها بالبلايا يمتحنكم يلذّذكم بنعيم الدنيا تارة لتذكروا به نعيم الآخرة الخالص مما ينغّص نعيم الدنيا ويبطله ويزهد فيه ويصغره ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي تكون في خلالها الزّحمات وفي تضاعيفها النّقمات ليحذّركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية، وفي رواية القمّي: إلى حين يعني إلى يوم القيامة.
أقول: لا منافاة بين الروايتين لأن الموت هو القيامة الصغرى للأكثرين والكبرى للآخرين، ولذا ورد من مات فقد قامت قيامته.