التفاسير

< >
عرض

وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٥٧
وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٨
فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
٥٩
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (57) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ } لما كنتم في التيه يقيكم من حر الشمس وبرد القمر { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُم الْمَنَّ } الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه { والسَّلْوَى } السماني أطيب طير كان يسترسل بهم فيصطادونه { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } قال الله تعالى: كلوا.
والقمّي لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى أهلكتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظلّ فيها ولا شجر ولا ماء فكانت تجيء بالنهار غمامة تظلّهم من الشمس وتنزل عليهم بالليل المنّ فيأكلونه وبالعشي يجيء طائر مشوي فيقع على موائدهم فإذا أكلوا وشبعوا طار عنهم وكان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فينفجر منه إثنتا عشرة عيناً فيذهب الماء إلى كل سبط وكانوا إثنا عشر سبطاً فلما طال عليهم ملّوا وقالوا: يا موسى لن نصبر على طعام واحد { وَمَا ظَلَمُونَا } لما بدلوا وغيروا ما به أمروا ولم يفوا بما عليه عوهدوا لأن كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا وممالكنا كما أن إِيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } يضرون بها بكفرهم وتبديلهم.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في قوله عز وجل وما ظلمونا قال إن الله أعظم وأعزّ وأجل وأمنع من أن يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني الأئمة.
{ (58) وَإِذْ قُلْنَا } واذكروا يا بني إسرائيل إذ قلنا لأسلافكم { ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ } وهي أريحا من بلاد الشام وذلك حين خرجوا من التيه { فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شئْتُمْ رَغَداً } واسعاً بلا تعب { وادْخُلُوا الْبَابَ } باب القرية { سُجّداً } مثّل الله تعالى على الباب مثال محمد وعلي وأمرهم أن يسجدوا تعظيماً لذلك ويجدّدوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما { وَقُولُوا حِطّةٌ } وقولوا سجودنا لله تعظيماً للمثال واعتقادنا الولاية حطة لذنوبنا ومحو لسيئاتنا { نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَاياكُمْ } السالفة ونزيل عنكم آثامكم الماضية وقرئ بضم الياء وفتح الفاء { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } من لم يقارف منكم الذنب وثبت على عهد الولاية ثواباً.
{ (59) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } لم يسجدوا كما أُمروا ولا قالوا ما أُمروا بل دخلوها باستاههم وقالوا ما معناه حنطة حمراء نتقوّتها أحبّ إلينا من هذا الفعل وهذا القول.
وفي موضع آخر من تفسير الإِمام عليه السلام وكان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا باباً مرتفعاً قالوا ما بالنا نحتاج أن نركع عند الدخول هاهنا ظننا أنه باب متطامن لا بد من الركوع فيه وهذا باب مرتفع وإلى متى يسخر بنا هؤلاء يعنون موسى عليه السلام ثم يوشع بن نون ويسجدوننا في الأباطيل وجعلوا استاههم نحو الباب وقالوا بدل قولهم حطّة ما معناه حنطة حمراء فذلك تبدليهم.
{ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } وبدلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وعلي وآلهما، قيل كرّره مبالغة في تقبيح أمرهم واشعاراً بأن الانزال عليهم بظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه أو بظلمهم على أنفسهم بأن تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب بهلاكها { رِجْزاً مِنَ السّمَاءِ } قيل أي عذاباً مقدّراً من السماء هو في الأصل لما يعاف عنه كالرجس { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } يخرجون من أمر الله وطاعته والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم ماءة وعشرون ألفاً وهم الذين كان في علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون ولم ينزل على من علم أنه يتوب أو يخرج من صلبه ذرية طيبة.
والعيّاشي عن الباقر عليه السلام قال: نزل جبرائيل بهذه الآية فبدّل الذين ظلموا آل محمد صلّى الله عليه حقّهم غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد صلّى الله عليهم حقهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون.