التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ
٦٨
قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ
٦٩
قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
٧٠
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ
٧١
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
٧٢
فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٧٣
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ } مواصفاتها لنقف عليها.
وفي رواية القمّي: فعلموا أنهم أخطأوا { قَالَ إِنّهُ } إنّ الله { يَقُولُ } بعد ما سأل ربه { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ } لا كبيرة { وَلاَ بِكْرٌ } ولا صغيرة { عَوَانٌ } وسط { بَيْنَ ذَلِكَ } بين الفارض والبكر { فَافْْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ } إذا أمرتم به.
{ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لُوْنُها } أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها { قَالَ إنّهُ يَقُولُ } إنّ الله يقول { إنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا } حسنة الصفرة ليس بناقص يضرب إلى البياض ولا بمشبع يضرب إلى السواد { تَسُرُّ النّاظِرِينَ } إليها لبهجتها وحسنها وبريقها.
{ (70) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ } ما صفتها يزيد في صفتها { إنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وإنّا إنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ } وفي الحديث النبوي
"لو لم يستثنوا لما بيّنت لهم آخر الأبد" .
{ (71) قَالَ إنّهُ يَقُولُ إنّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ } لم تذلل لإِثارة الأرض ولم تُرض بها { وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ } ولا هي مما تجر به الدلاء للزرع ولا تدير النواعير قد أُعفيت من ذلك أجمع { مُسَلَّمَةٌ } من العيوب كلها { لاَشِيَةَ فَيهَا } من غيرها.
في العيون والعياشي عن الرضا عليه السلام لو عمدوا إلى أي بقرة أجزئهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم، وفي تفسير الامام عليه السلام فلما سمعوا هذه الصفات قالوا يا موسى أفقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها قال: بلى ولم يقل موسى في الابتداء ان الله قد أمركم بل قال: يأمركم لأنه لو قال إن الله أمركم لكانوا إذ قالوا: ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي وما لونها كان لا يحتاج أن يسأله ذلك عز وجل ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول أمركم ببقرة فأي شيء وقع عليه اسم البقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها فلما استقرّ الأمر عليهم طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله في منامه محمداً وعلياً وطيّبي ذريتهما عليهم السلام فقالا له إنك كنت لنا محباً مفضلاً ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر امّك فان الله يلقّنها ما يغنيك به وعقبك ففرح الغلام وجاء القوم يطلبون بقرته فقالوا بكم تبيع بقرتك هذه قال: بدينارين والخيار لأمي قالوا رضينا بدينار فسألها فقالت بأربعة فأخبرهم فقالوا نعطيك دينارين فأخبر أمّه فقالت ثمانية فما زالوا يطلبون على النصف مما تقول أمّه ويرجع إلى أمّه فتضعف الثمن حتّى بلغ ثمنها ملأ مسك ثوراً أكثر مما يكون ملأ دنانير فأوجبت لهم البيع ثم ذبحوها { قَالُوا الآنْ جِئْتَ بِالْحَقِّ } في رواية القمّي عرفناها هي بقرة فلان فذهبوا ليشترواها فقال لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهباً فرجعوا إلى موسى فأخبروه فقال لهم موسى لا بد لكم من ذبحها بعينها فاشتروها بملء جلدها ذهباً.
وفي تفسير الإِمام عليه السلام أنه بلغ خمسماءة ألف دينار { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ولكن اللّجاج حملهم على ذلك واتّهامهم موسى حداهم عليه.
{ (72) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأتُمْ فِيهَا } اختلفتم وتدارأتم ألقى بعضكم ذنب القتل على بعض وادّرأه عن نفسه وذويه { وَاللهُ مُخِرْجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } من خبر القاتل وإرادة تكذيب موسى باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيب إليه.
{ (73) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } اضربوا الميت ببعض البقرة ليحيى وقولوا له من قتلك فأخذوا الذنب وضربوه به.
والعيّاشي عن الرضا عليه السلام أن الله أمرهم بذبح بقرة وإنما كانوا يحتاجون بذنبها فشدّدوا فشدّد الله عليهم.
وفي تفسير الإِمام عليه السلام أخذوا قطعة وهي عجز الذّنب الذي منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا أُعيد خلقاً جديداً فضربوا بها وقالوا: اللهم بجاه محمد وعليّ وآله الطيبين لمّا أحييت هذا الميت وانطقته ليخبر عن قاتله فقام سالماً سوياً وقال: يا نبي الله قتلني هذان إبنا عمّي حسداني على بنت عمي فقتلاني والقياني في محلّة هؤلاء ليأخذا ديتي فأخذ موسى الرجلين فقتلهما.
وفي رواية القمي: قتلني ابن عمي فلان بن فلان الذي جاء به.
{ كَذَلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتَى } في الدنيا والآخرة كما أحيى الميت بملاقاة ميت آخر له أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيي الله الذي كان في الأصلاب والأرحام حياً واما في الآخرة فان الله عز وجل ينزّل بين نفختي الصّور بعد ما ينفخ النّفخة الأولى من دوين السماء من البحر المسجور المملوّ الذي قال الله والبحر المسجور وهي مني كمني الرجال فيمطر ذلك على الأرض فيلتقي الماء المنيّ مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } سوى هذه من الدلالات على توحيده ونبوة موسى وفضل محمد وآله عليهم السلام على سائر خلق الله أجميعن { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } وتتفكرون أن الله الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر الخلق إلا بالحكمة ولا يختار محمداً وآله عليهم السلام إلا لأنهم أفضل أولي الألباب وقيل لكي يكمل عقلكم وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها.
وفي تفسير الإمام عليه السلام أن المقتول المنشور توسل إلى الله سبحانه بمحمد وآله أن يبقيه في الدنيا متمتعاً بابنة عمه ويخزي أعداءه ويرزقه رزقاً كثيراً طيباً فوهبه الله له سبعين سنة بعد أن كان قد مضى عليه ستون سنة قبل قتله صحيحة حواسّه فيها قوية شهواته فتمتع بحلال الدنيا وعاش لم يفارقها ولم تفارقه وماتا جميعاً معاً وصارا إلى الجنة وكان زوجين فيها ناعمين وان أصحاب البقرة ضجوا إلى موسى وقالوا افتقرت القبيلة وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا فأرشدهم موسى عليه السلام إلى التوسّل بنبيّنا وآله عليهم السلام فأوحى الله إليه ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان ويكشفوا عن موضع كذا ويستخرجوا ما هناك فانه عشرة آلاف ألف دينار ليردّوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود احوالهم على ما كانت ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة آلاف الف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة كذا في نسخة من تفسير الإمام عليه السلام ليتضاعف أموالهم جزاءاً على توسلهم بمحمد وآله عليهم السلام واعتقادهم لتفضيلهم.