التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٨٢
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ
٨٣
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (82) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.
{ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا } واذكروا إذ أخذنا { مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } عهدهم المؤكّد عليهم.
أقول: وهو جار في أخلافهم لمّا أدّى إليهم أسلافهم قرناً بعد قرن وجار في هذه الأمة أيضاً كما يأتي بيانه في ذي القربى { لاَ تَعْبُدُونَ } وقرئ بالياء { إِلاَّ اللهَ } لا تشبّهوهُ بخلقه ولا تجوروا في حكمه ولا تعملوا ما يراد به وجهه تريدون به وجه غيره، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"من شغلته عبادة الله عن مسألته أعطاه أفضل ما يعطي السائلين" .
وقال الصادق عليه السلام: ما أنعم الله على عبد أجلّ من أن لا يكون في قلبه مع الله غيره { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } وأن تحسنوا بهما إحساناً مكافأةً عن إنعامهما عليهم وإحسانهما إليهم واحتمال المكروه الغليظ فيهم لترفيههم.
وفي الكافي سئل الصادق عليه السلام ما هذا الإِحسان قال: أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين أليس الله يقول:
{ { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92]. وفي تفسير الإمام عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد (ص) وعلي عليه السلام.
وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول:
"أنا وعليّ أبوا هذه الأمة ولحقّنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم فانّا ننقذهم ان أطاعونا من النار إلى دار القرار ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار" .
أقول: ولهذه الأبوة صار المؤمنون أخوة كما قال الله عز وجل إنما المؤمنون اخوة { وَذِي الْقُرْبَى } وأن تحسنوا بقراباتهما لكرامتهما وقال أيضاً: هم قراباتك من أبيك وأمك قيل لك اعرف حقّهم كما أخذ العهد به على بني إسرائيل وأخذ عليكم معاشر امة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم بمعرفة حق قرابات محمد الذين هم الأئمة بعده ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله "من رعى حق قرابات أبويه أُعطي في الجنة ألف ألف درجة ثم فسّر الدّرجات ثم قال ومن رعى حق قربى محمد وعليّ أوتي من فضائل الدّرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام على أبوي نسبه" { وَالْيَتَامَى } الذين فقدوا آباءهم الكافين لهم أمورهم السائقين إليهم قوتهم وغذائهم المصلحين لهم معاشهم قال عليه السلام: وأشد من يتم هذا اليتيم من يتم عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه إلا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ألا فمن هداه وارشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى حدّثني بذلك أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { وَالْمَسَاكِينَ } هو من سكن الضرّ والفقر حركته قال: ألا فمن واساهم بحواشي ماله وسّع لله عليه جنانه وأنا له غفرانه ورضوانه ثم قال عليه السلام: إن من محبّي محمد مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقر وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقاتلة أعداء الله الذين يعيّرونهم بدينهم ويسفّهون أحلامهم ألا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتى أزال مسكنتهم ثم سلّطهم على الأعداء الظاهرين من النواصب وعلى الأعداء الباطنين إِبليس ومردته حتى يهزمونهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء رسول الله حوّل الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم وأعجزهم عن إضلالهم قضى الله بذلك قضاء حقاً على لسان رسول الله { وَقُولُوا لِلنّاسِ } الذين لا مؤنة لهم عليكم { حُسْناً } وقرئ بفتحتين عاملوهم بخلق جميل، قال: قال الصادق عليه السلام: قولوا للناس حسناً كلهم مؤمنهم ومخالفهم أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإِيمان فان ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنين ثم قال عليه السلام: إن مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه "وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في منزلة إذ استأذن عليه عبد الله بن ابي بن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بئس أخو العشيرة أئذنوا له فلما دخل اجلسه وبشر في وجهه فلمّا خرج قالت عائشة: يا رسول الله (ص) قلت فيه ما قلت وفعلت فيه من البشر ما فعلت فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: يا عويش يا حميراء إن شرّ الناس عند الله يوم القيامة من يكرم اتقاء شرّه" .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قولوا للناس حسناً أحسن ما تحبون أن يقال لكم فان الله يبغض اللعان السبّاب الطعّان على المؤمنين المتفحش السائل الملحف ويحب الحيّي الحليم الضعيف المتعفف.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام لا تقولوا الا خيراً حتى تعلموا ما هو.
وفيه وفي التهذيب والخصال عنه عليه السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام أنها نزلت في أهل الذمّة ثم نسخها قوله تعالى: قالتوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
والقمّي: نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله تعالى: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.
أقول: إن قيل فما وجه التوفيق بين نسخها وبقاء حكمها قلنا إنما نسخت في حق اليهود وأهل الذمة المأمور بقتالهم وبقي حكمها في سائر الناس { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ } باتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وأداء حقوقها التي إِذا لم تؤد لم يتقبلها رب الخلائق أتدرون ما تلك الحقوق هو إتباعها بالصلاة على محمد وعلي وآلهما منطوياً على الاعتقاد بأنهم أفضل خيرة الله والقوّام بحقوق الله والنصّار لدين الله، قال عليه السلام: وأقيموا الصلاة على محمد وآله عند أحوال غضبكم ورضاكم وشدّتكم ورخاكم وهمومكم المعلّقة بقلوبكم { وَآتُوا الزَّكَاةَ } من المال والجاه وقوّة البدن { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أيها اليهود من الوفاء بالعهد الذي أداه إليكم أسلافكم { إلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } عن ذلك العهد تاركين له غافلين عنه.