التفاسير

< >
عرض

إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ
١٠٦
وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
١٠٧
قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ
١٠٨
فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ
١٠٩
إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ
١١٠
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
١١١
-الأنبياء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (106) إِنَّ فِي هذا } فيما ذكر من الاخبار والمواعظ { لَبَلاَغاً } لكفاية في البلوغ الى البغيّة { لِقَوْمٍ عابِدينَ } همّهم العبادة دون العادة.
{ (107) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ } لأنّ ما بعثت به سبب لاسعادهم وموجبٌ لصلاح معاشهم ومعادهم وكونه رحمة للكفّار منهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستيصال.
وفي الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث مجيباً لبعض الزنادقة وامّا قوله لنبيّه صلّى الله عليه وآله { وما أَرْسلناكَ إِلاّ رَحْمةً } لِلْعالمين وإنّك ترى اهل الملل المخالفة للايمان ومن يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم الى هذه الغاية وانّه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعاً ونجوا من عذاب السعير فانّ الله تبارك وتعالى اسمه انّما عنى بذلك انّه جعله سبيلاً لانذار اهل هذه الدار لأنّ الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض وكان النبي صلّى الله عليه وآله منهم اذ صدع بامر الله واجابه قومه سلموا وسلم اهل دارهم من سائر الخليقة وان خالفوه هلكوا وهلك اهل دراهم بالآفة التي كان نبيّهم يتوعّدهم بها ويخوّفهم حلولها ونزولها بساحتهم من خسف او قذف او رجف او ريح أو زلزلة او غير ذلك من اصناف العذاب الذي هلكت به الامم الخالية وانّ الله علم من نبيّنا صلّى الله عليه وآله ومن الحجج في الارض الصبر على ما لَمْ يطق من تقدّمهم من الانبياء الصبر على مثله فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح واثبت حجّة الله تعريضاً لا تصريحاً بقوله في وصيّه
"من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه وهو منّي بمنزلة هارون من موسى الاّ انّه لا نبّي بعدي" وليس من خليقة النبي صلّى الله عليه وآله ولا من شيمته ان يقول قولاً لا معنى له فلزم الامة ان تعلم انّه لما كانت النبوة والاخوّة موجودتين في خلق هارون ومعدومتين فيمن جعله النبي صلّى الله عليه وآله بمنزلته انّه قد استخلفه على امّته كما استخلف موسى هرون (ع) حيث قال له اخلفني في قومي ولو قال لهم لا تقلّدوا الامامة الاّ فلاناً بعينه والاّ نزل بكم العذاب لأَتاهم العذاب وزال باب الانظار والامهال.
وفي المجمع عن النبي صلّى الله عليه وآله قال لجبرئيل لمّا نزلت هذه الآية
"هل اصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم انّ كنت اخشى عاقبة الامر فَاَمِنْتُ بك لما اثنى الله عليَّ بقوله ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ" .
وفي العلل عن الباقر عليه السلام اما لو قد قام قائمنا ردّت بالحميراء حتّى يجلدها الحدّ وحتى ينتقم لابنة محمد صلّى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام منها قيل ولم يجلدها قال لفريتها على امّ ابراهيم قيل فكيف اخّره الله للقائم (ع) قال انّ الله تبارك وتعالى بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله رحمة وبعث القائم عليه السلام نقمة.
{ (108) قُلْ إِنّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحِدٌ } ما يوحى اليّ الاّ انّه لا اله لكم الاّ اِله واحد وذلك لأنّ المقصود الأصلي من بعثته مقصور على التّوحيد { فَهَلْ أَنتُم مُسْلِمُونَ } مخلصون العبادة لله على مقتضى الوحي.
في المناقب عن الصادق عليه السلام { فَهَلْ أَنتُم مُسْلِمُونَ } الوصيّة بعدي نزلت مشدّدة.
أقول: وما لهما واحد لأن مخالفة الوصيّة عبادة للهوى والشيطان.
{ (109) فَإِنْ تَوَلَّوْا } عن التوحيد او الوصيّة { فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ } اعلمتكم ما امرت به { علَى سَوآءِ } عدل { وَإِنْ أَدْرِي } وما ادري { أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ } لكنه كائن لا محال.
{ (110) أَنَّهُ يَعلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ } ما تجاهرون به من الطعن في الاسلام { وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } من اللَّحن والاحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه.
{ (111) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ } وما ادري لعلّ تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في افتتانكم او امتحان لينظر كيف تعملون { وَمَتَاعٌ إِلى حِينٍ } تمتيع الى اجل مقدّر يقتضيه مشيّته.