التفاسير

< >
عرض

وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٠٤
-آل عمران

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (104) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ } بعضكم { أُمّةٌ } في المجمع قرأ الصادق عليه السلام أئمة { يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }.
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعاً فقال لا فقيل ولِمَ قال انما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضَّعَفَة الذين لا يهتدون سبيلاً إلى أي من أي يقول إلى الحق من الباطل والدليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فهذا خاص غير عام كما قال الله تعالى ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ولم يقل على أمّة موسى ولا على كل قوم وهم يومئذ أُمم مختلفة والأمة واحد فصاعداً كما قال الله سبحانه إن إبراهيم كان أمةً قانتاً لِلهِ يقول مطيعاً لله وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة، وسئل عن الحديث الذي جاء عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم
"ان أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر" ما معناه قال هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلاَّ فلا.
وعنه عليه السلام انما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلّم فاما صاحب سيف أو سوط فلا.
والقمّي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال فهذه لآل محمد صلوات الله عليهم ومن تابعهم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وفي نهج البلاغة قال وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه فإنما أُمرتم بالنهي بعد التناهي وقال لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والنّاهين عن المنكر العاملين به { وَأُوْلئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ } المخصُوصُون بكمال الفلاح الأحقاء به.
في الكافي عن الصادق عليه السلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله تعالى فمن نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله.
وفي التهذيب عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال
"لا يزال الناس بخير ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء" .
وفيهما عن الباقر عليه السلام قال يكون في آخر الزمان قوم يتبّع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون امراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلاّ إذا أمنوا الضرر ويطلبون لأنفسهم الرّخص والمعاذير يتّبعون زلاّت العلماء وفساد علمهم يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وابدانهم لرفضوها كما رفضوا اسمى الفرائض وأشرفها ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجّار والصغار في دار الكبار ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر فانكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكّوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم فإن اتّعظوا أو إلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أُولئكَ لهم عذاب أليم هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطاناً ولا باغين مالاً ولا مريدين بالظلم ظفراً حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته، قال أبو جعفر عليه السلام وأوصى الله إلى شعيب النبي عليه السلام انّي معذب من قومك مائة ألف وأربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار فأوحى الله عز وجل إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي ولن يغضبوا لغَضَبِي.