التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٢١
-آل عمران

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (121) وَإذْ غَدَوْتَ } واذكر إذ غدوت { مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ } تهيئُ لهم { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } مواقف وأماكن له { وَاللهُ سَمِيْعٌ } لأقوالكم { عَلِيْمٌ } بنياتكم.
القمّي عن الصادق عليه السلام قال سبب نزول هذه الآية أن قريشاً خرجت من مكة تريد حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج رسول الله يبتغي موضعاً للقتال.
وفي المجمع عن القمي عنه عليه السلام قال سبب غزوة أُحد أن قريشاً لما رجعت من بدر إلى مكة قد اصابهم ما أصابهم من القتل والأسر لأنهم قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون قال أبو سفيان يا معشر قريش لا تدعوا نسائكم يبكين على قتلاكم فان الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم فلما غزا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يوم أُحد أذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس والفي راجل وأخرجوا معهم النساء فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ذلك جمع أصحابه وحثهم على الجهاد فقال عبد الله بن أبي يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتّى نقاتل في أزقتها فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح فما أرادنا قوم قط نظروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا وما خرجنا على عدو لنا قط إلا كان لهم الظفر علينا فقام سعد بن معاذ وغيره من الأوس فقال يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يظفرون بنا وأنت فينا، لا حتى نخرج إليهم ونقاتلهم فمن قتل منا كان شهيداً ومن نجا كان مجاهداً في سبيل الله فقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم رأيه وخرج مع نفر من أصحابه يتبوؤن موضع القتال كما قال سبحانه وإذ غدوت من أهلك الآية.
وقعد عنه عبد الله بن أُبي وجماعة من الخزرج اتّبعوا رأيه ووافت قريش إلى أُحد وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عبّأ أصحابه وكانوا سبعمائة رجل فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب وأشفق أن يأتيهم كمينهم من ذلك المكان فقال صلّى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن جبير وأصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان وان رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كميناً وقال له إذا رأيتمونا قد اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا وراءهم، وعبّأ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أصحابه ودفع الراية إلى أمير المؤمنين عليه السلام فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ووقع أصحاب رسول الله في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجع ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ينهبون سواد القوم فقالوا لعبد الله بن جبير قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة فقال لهم عبد الله اتقوا الله فان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قد تقدم إلينا أن لا نبرح فلم يقبلوا منه واقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلاً وكانت راية قريش مع طلحة بن ابي طلحة العبدري من بني عبد الدار فقتله عليّ عليه السلام فأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله عليّ وسقطت الراية فأخذها مسافح بن طلحة فقتله حتى قتل تسعة من بني عبد الدار حتى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له صواب فانتهى إليه عليّ فقطع يده فأخذ الراية باليسرى فضرب يسراه فقطها فاعتنقها بالجذماوين إلى صدره ثم التفت إلى أبي سفيان فقال هل أعذرت في بني عبد الدار فضربه عليّ عليه السلام على رأسه فقتله فسقط اللواء فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها وانحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فر أصحابه وبقي في نفر قليل فقتلهم على باب الشعب ثم أتى المسلمين من أدبارهم ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها وانهزم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم هزيمة عظيمة وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال إليّ أنا رسول الله اليّ أين تفرّون عن الله وعن رسوله قال وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر وكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلاً ومكحلة وقالت انما أنت امرأة فاكتحل بهذا وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه وانهزموا ولم يثبت له أحد وكانت هند قد أعطت وحشياً عهداً لئن قتلت محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم أو عليّاً أو حمزة صلوات الله عليهم لأعطينك كذا وكذا وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم حبشياً فقال وحشي أما محمد فلا أقدر عليه وأما علي فرأيته حذراً كثير الالتفات فلا مطمع فيه فكمن لحمزة قال فرأيته يهذ الناس هذّاً فمرّ بي فوطى على جرف نهر فسقط فأخذت حربتي فهززتها ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من الثنية فسقط فأتيته فشققت بطنه فأخذت كبده وجئت به إلى هند فقلت هذه كبد حمزة فأخذتها في فمها فلاكتها فجعلها الله في فمها مثل الداعضة وهي عظم رأس الركبة فلفظتها ورمت بها، قال رسول الله فبعث الله ملكاً فحمله ورده إلى موضعه قال فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت أُذنيه وقطعت يده ورجله ولم يبق مع رسول الله إلا أبو دجانة سماك بن خرشة وعليّ فكلما حملت طائفة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم استقبلهم عليّ فدفعهم عنه حتّى انقطع سيفه فدفع إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم سيفه ذا الفقار وانحاز رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إلى ناحية أُحد فوقف وكان القتال من وجه واحد فلم يزل عليّ يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة قال فقال جبرائيل إن هذا لهي المواساة يا محمد فقال له انه مني وأنا منه، قال الصادق عليه السلام نظر رسول الله إلى جبرائيل بين السماء والأرض على كرسي من ذهب وهو يقول لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.
وروي أن سبب انهزامه نداء إبليس فيهم أن محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم قد قتل وكان النبي، في زحام الناس وكانوا لا يرونه.