التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ
١٠
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١١
قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
١٢
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
١٣
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ
١٤
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
١٥
-آل عمران

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (9) رَبّنَا إِنّكَ جَامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ } لحساب يوم وجزائه { لاَ رَيْبَ فِيهِ } في وقوعه { إنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعادَ } الموعد لأن الالهية تنافيه.
{ (10) إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأْولئك هُمْ وَقُودُ النّارِ }.
{ (11) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } كشأنهم وأصل الدّأب الكدح { وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف للكفَرَة.
{ (12) قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } وقرئ بالياء فيهما.
في المجمع نسب إلى رواية أصحابنا أنه لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قريشاً ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق قَيْنُقاع فقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم اني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم فقالوا يا محمد لا يغرّنّك أنك لقيت قوماً اغماراً لا علم لهم بالحرب فاصبت منهم فرصة اما والله لو قاتلنا لعرفت أنّا نحن الناس فأنزل الله هذه الآية وقد فعل الله ذلك وصدق وعده بقتل بني قريظة واجلاء بني النضير وفتح خيبر ووضع الجزية على من بقي منهم وغُلِب المشركون وهو من دلائل النبوة.
{ (13) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ } دلالة على صدق محمد صلّى الله عليه وآله وسلم { فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } يوم بدر { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سبيلِ اللهِ } في دينه وطاعته وهم الرسول وأصحابه { وَفِرْقَة أُخْرَى كافِرَةٌ } وهم مشركوا مكّة { يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ } يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين وكانوا قريب ألف أو مثلي عدد المسلمين وكانوا ثلاثماءة وبضع عشر وكان ذلك بعد ما قلّلهم في أعينهم حتى غلبوا مدداً من الله للمؤمنين لو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم بالنصر الذي وعدهم الله به في قوله وان يكن منكم ماءة صابرة يغلبوا ماءتين ويؤيّده قراءة التاء كذا قيل وإنما يصح التأييد إذا كان الخطاب للمؤمنين دون المشركين { رَأْيَ الْعَيْنِ } رؤية ظاهرة ومعاينة { وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ } كما أيّد أهل بدر { إنَّ فِي ذَلِكَ } في التقليل والتكثير وغلبة القليل على الكثير { لَعِبْرَةً لأِوْلي الأَبْصارِ } لعظة لذوي البصائر.
{ (14) زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ } أي المشتهيات سمّاها شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبّتها حتى أحبوا شهواتها كقوله تعالى حكاية من سليمان انّي أحببت حبّ الخير { مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ } القنطار ملأ مسك ثور ذهباً كذا في المجمع عنهما، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم ألف مؤلف { وَالْخَيْلِ الْمَسَوَّمَةِ } المعلّمة أو المرعية { وَالأَنْعَامِ } الابل والبقر والغنم { وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَئَابِ } المرجع وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذّات الحقيقية الأبديه بالشهوات المخدجة الفانية.
{ (15) قُلْ أَؤنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ } يريد به تقرير ان ثواب الله خير من مستلذات الدنيا { لِلَّذِينَ اتَّقَوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدينَ فِيهَا وَأَزواجٌ مُطَهَّرَةٌ } ممّا يستقذر من النساء { وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } بأعمالهم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء على قدر استحقاقهم.
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام ما تلذّذ الناس في الدنيا والآخرة بلذة أكبر لهم من لذة النساء وهو قول الله تعالى زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين إلى آخر الآية، ثم قال وان أهل الجنة ما يتلذّذون بشيء من الجنة أشهى عندهم من النكاح لا طعام ولا شراب قيل قد نبّه بهذه الآية على مراتب نعمه فأدناها متاع الدنيا وأعلاها رضوان الله لقوله ورضوان من الله أكبر وأوسطهما الجنة ونعيمها.