التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ
٥
هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٦
-آل عمران

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (5) إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ } عبر العالم بهما لأن الحسّ لا يتجاوزهما.
{ (6) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } من الصُّور المختلفة من صبيح أو قبيح ذكر أو أنثى فكيف يخفى عليه شيء.
في الفقيه عن الصادق عليه السلام ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقاً جمع كل صورة بينه وبين آدم ثم خلقه على صورة احداهن فلا يقولن احد لولده هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئاً من آبائي.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق النطفة التي هي مما أخذ عليه الميثاق من صلب آدم أو ما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرّك الرّجل للجماع وأوحى إلى الرحم ان افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري فتفتح الرحم بابها فتصل النّطفة إلى الرّحم فتردّد فيه أربعين يوماً ثم تصير فيه علقة أربعين يوماً ثم تصير مضغة أربعين يوماً ثم تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكة ثم يبعث الله ملكين خلاّقين يخلقان في الأرحام ما يشاء يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم وفيها الروح القديمة المنقولة من أصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقّان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن باذن الله تعالى ثم يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشترطا لي البداء فيما تكتبان فيقولان يا رب ما نكتب قال فيوحي الله عز وجل إليهما ان ارفعا رؤوسكما إلى رأس أمّه فيرفعان رؤوسهما فإذا اللوح يقرع جبهة أمّه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته وزينته وأجله وميثاقه شقيّاً أو سعيداً وجميع شأنه، قال عليه السلام فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان ثم يختمان الكتاب ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائماً في بطن أمه قال فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك الا في كل عات أو ما رد وإذا بلغ أوان خروج الولد تاماً أو غير تام أوحى الله تعالى إلى الرحم ان افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال فتفتح الرّحم باب الولد فيبعث الله عز وجل إليه ملكاً يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهّل الله على المرأة وعلى الولد الخروج قال فإذا احتبس زجره الملك زجرة أخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكياً فزعاً من الزجرة.
أقول: قوله أن يخلق النطفة أي يخلقها بشراً تاماً وقوله وما يبدو له فيه اي ما يبدو له في خلقه فلا يتمّ خلقه بأن يجعله سقطاً وقوله حرّك الرجل يعني بالقاء الشهوة عليه وإيحاؤه سبحانه إلى الرّحم كناية عن فطره إيّاها على الاطاعة طبعاً فتردد بحذف إحدى التّائين أي تتحوّل من حال إلى حال يقتحمان يدخلان بعنف والروح القديمة كناية عن النفس النباتية وفي عطف البقاء على الحياة دلالة على أن النفس الحيوانية مجرّدة عن المادة باقية في تلك النشأة وان النفس النباتية بمجرّدها لا تبقى وقد حققنا معنى البداء في كتابنا الموسوم "بالوافي" وقرع اللوح جبهة امه كأنه كناية عن ظهور أحوال امه وصفاتها واخلاقها من ناصيتها وصورتها التي خلقت عليها كأنها جميعاً مكتوبة عليها وإنما يستنبط الأحوال التي ينبغي أن يكون الولد عليها من ناصية امه ويكتب ذلك على وفق ما ثمّة للمناسبة التي تكون بينه وبينها وذلك لأن جوهر الروح إنما يفيض على البدن بحسب استعداده وقبوله إياه واستعداد البدن تابع لأحوال نفسي الأبوين وصفاتهما وأخلاقهما لا سيما الأم المربية له على وفق ما جاء به من ظهر أبيه فناصيتهما مشتملة على أحواله الأبوية والأمية أعني ما يناسبهما جميعاً بحسب مقتضى ذاته وجعل الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور صفاته وأخلاقه من ناصيته وصورته التي خلق عليها وانه عالم بها وقتئذ بعلم بارئها بها لفنائة بعد وفناء صفاته في ربه لعدم دخوله بعد في عالم الأسباب والصفات المستعارة والاختيار المجازي ولكنه لا يشعر بعلمه فان الشعور بالشيء أمر والشعور بالشعور أمر خر والعتوّ الاستكبار ومجاوزة الحد ويقرب منه المرود { لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله { الْعَزِيْزُ } في جلاله { الْحَكِيْمُ } في أفعاله.