التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٧
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ
٨
-آل عمران

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (7) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } احكمت عباراتها بأن حفظت من الاجمال { هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } أصله يرد إليها غيرها { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } محتملات لا يتضح مقصودها الا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء الربّانّيين في استنباط معانيها وردّها إلى المحكمات وليتوصلوا بها إلى معرفة الله تعالى وتوحيده.
العياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن المحكم والمتشابه فقال المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله وقد سبقت أخبار آخر في تفسيرهما في المقدمة الرابعة.
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام في تأويله أن المحكمات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام والمتشابهات فلان وفلان.
{ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } ميل عن الحق كالمبتدعة { فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } فيتعلّقون بظاهره أو بـتأويل باطل { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام ان الفتنة هنا الكفر { وَابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ } وطلب أن يأوّلوه على ما يشتهونه { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ } الذي يجب أن يحمل عليه { إلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } الذين تثبّتوا وتمكنوا فيه.
والعياشي عن الباقر عليه السلام يعني تأويل القرآن كله.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله وفي رواية فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أفضل الراسخين في العلم قد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال ثم ان الله جل ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كلامه قسّم كلامه ثلاثة اقسام فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل وقسماً لا يعرفه الا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تميّزه ممن شرح الله صدره للاسلام وقسماً لا يعرفه إلا الله وأنبياؤه والراسخون في العلم وإنما فعل ذلك لئلا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من علم الكتاب مالم يجعله وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار بمن ولاّه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعزّزاً وافتراءً على الله عز وجل واغتراراً بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله جل اسمه ورسوله.
{ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ } هؤلاء الراسخون العالمون بالتأويل يقولون آمَنّا بالمتشابه { كُلٌّ مِنْ } المحكم والمتشابه { عِنْدَ رَبِّنَا } من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه { وَمَا يَذَّكّرُ إلاَّ أُوْلُوا الألْبَابِ } مدح للراسخون بجودة الذهن وحسن التدبر وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله وهو تجرّد العقل عن غواشي الحس.
في التوحيد والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال اعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإِقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا آمنّا به كل من عند ربنا فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً وسمي تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عنه منهم رسوخاً فاقتصر على ذلك ولا تقدّر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين.
وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ثم قال عليه السلام ان في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا.
{ (8) رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه وإنما اضيف الزيغ إلى الله لأنه مسبّب عن امتحانه وخذلانه { بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا } إلى الحق { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً } بالتوفيق والمعونة { إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ } لكل سؤال، في الكافي عن الكاظم عليه السلام في حديث هشام يا هشام ان الله قد حكى عن قوم صالحين انهم قالوا ربّنَا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب حين علموا ان القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها أنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ولا يكون احد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدّقاً وسرّه لعلانيته موافقاً لأن الله تعالى لم يدل على الباطل الخفي من العقل الا بظاهر منه وناطق عنه.
والعياشي عن الصادق عليه السلام اكثروا من أن تقولوا ربّنَا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ولا تأمنوا الزيغ.