التفاسير

< >
عرض

يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٢٦
وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً
٢٧
يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً
٢٨
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
٢٩
-النساء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (26) يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن أعمالكم { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } من الأنبياء وأهل الحق لتقتدوا بهم { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } ويرشدكم إلى ما يمنعكم عن المعاصي { وَاللهُ عَلِيمٌ } بها { حَكِيمٌ } في وضعها.
{ (27) وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } كرره للتأكيد والمقابلة { وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشّهَوَاتِ } اهل الباطل { أَن تَمِيلُوا } عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات { مَيْلاً عَظِيماً } بالاضافة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندور غير مستحل له.
{ (28) يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ } فلذلك شرع لكم الشريعة الحنفية السمحة السهلة ورخص لكم في المضائق كاحلال نكاح الأمة عند الإِضرار { وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً } لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات.
{ (29) يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } بما لم يبحه الشرع.
العياشي عن الصادق عليه السلام عنى بها القمار وكانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام الربا والقمار والبخس والظلم { إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنكُمْ }.
القمّي يعني بها الشراء والبيع الحلال.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن الرجل منا يكون عنده الشيء يتبلغ به وعليه دين ايطعمه عياله حتى يأتي الله عز وجل بمسيرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسب ويقبل الصدقة قال يقضي بما عنده دينه ولا يأكل من اموال الناس إلا وعنده ما يؤدي إليهم حقوقهم ان الله عز وجل يقول ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم ولا يستقرض على ظهره الا وعنده وفاء ولو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين والتمر والتمرتين الا أن يكون له ولي يقضي دينه من بعده ليس منا من يموت الا جعل الله له ولياً يقوم في عدته ودينه فيقضي عدته ودينه { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ }.
القمّي كان الرجل إذا خرج مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في الغزو يحمل على العدو وحده من غير أن يأمره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فنهى الله أن يقتل نفسه من غير امره.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام ان معناه لا تخاطروا بنفوسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه.
والعياشي عنه عليه السلام كان المسلمون يدخلون على عدوهم في المغارات فيتمكن منهم عدوهم فيقتلهم كيف يشاء فنهاهم الله ان يدخلوا عليهم في المغارات { إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } إنما نهاكم الله عن قتل أنفسكم لفرط رحمته بكم.
العياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال
"سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها وكيف يغتسل إذا اجنب قال يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة والوضوء، قلت وان كان في برد يخاف على نفسه إذا افرغ الماء على جسده فقرأ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيماً" .
أقول: هذا الحديث بعموم الحكم في سائر أنواع القتل والقاء النفس إلى التهلكة وارتكاب ما يؤدي إليه بل باقتراف ما يرديها فانه القتل الحقيقي للنفس، وقيل المراد بالأنفس من كان من أهل دينهم فان المؤمنين كنفس واحدة جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها اذ به قوامها استبقاء لهم ريثما تستكمل النفوس وتستوفي فضائلها رأفة بهم.