التفاسير

< >
عرض

مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١٥
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ
١٦
وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٧
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨
إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ
١٩
هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٢٠
أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٢١
وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٢٢
أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٢٣
وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ
٢٤
-الجاثية

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (15) مَنْ عَمِلَ صَالِحَا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } اذ لها ثواب العمل وعليها عقابه { ثُمَّ إلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم على اعمالكم.
{ (16) وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ } التوراة { وَالْحُكْمَ } والحكمة أو فصل الخصومات { وَالنُّبُوّة } اذ كثر الانبياء فيهم ما لم يكثر في غيرهم { وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } ممّا احلّ الله من اللّذائذ { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ } عالمي زمانهم.
{ (17) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الأَمْرِ } ادلة من امر الدين ويندرج فيها المعجزات وقيل آيات من امر النبيّ صلّى عليه وآله وسلم منبئة لصدقه { فَمَا اخْتَلَفُوا } في ذلك الامر { إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ } بحقيقة الحال { بَغْياً بَيْنَهُمْ } عداوة وحسداً { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } بالمؤاخذة والمجازاة.
{ (18) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ } طريقة { مِنَ الأَمْرِ } امر الدين { فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } آراء الجهّال التابعة للشهوات قيل هم رؤساء قريش قالوا له ارجع الى دين آبائك.
{ (19) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } ممّا اراد بك { وَإِنَّ الظّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } اذ الجنسيّة علّة الانضمام فلو توالهم باتباع اهوائهم { وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } فوالِ الله بالتّقى واتّباع الشريعة.
القمّي هذا تأديب لرسول الله صلّى الله عليه آله وسلم والمعنى لأمّته.
{ (20) هذَا بَصائِرُ لِلنّاسِ } بيّنات تبصرهم وجه الفلاح { وَهُدىً } من الضلال { وَرَحْمةٌ } من الله { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } يطلبون اليقين.
{ (21) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ } ام منقطعة ومعنى الهمزة فيه انكار الحسبان والاجتراح الاكتساب { أَنْ نَجْعَلََهُمْ } ان نصيّرهم { كالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ } مثلهم { سَواءٌ مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ } وقرئ سواء بالنّصب { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }.
{ (22) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص ثواب وتضعيف عذاب.
{ (23) أَفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ } قيل كان احدهم يستحسن حجراً فيعبده فاذا رأى احسن منه رفضه إليه.
والقمّي قال نزلت في قريش كلّما هَوَوْا شيئاً عبدوه قال وجرت بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الّذين غصبوا امير المؤمنين عليه السلام واتخذوا اماماً بأهوائهم { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } وخذله عالماً بضلاله وفساد جوهر روحه { وَخَتَمَ } اللَّه { عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشاوَةً } فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار { فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } من بعد ضلاله { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }.
{ (24) وَقَالُوا مَا هِيَ } ما الحياة { إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا } التي نحن فيها { نَمُوتُ وَنَحْيَا } قيل أي نموت نحن ويحيى آخرون ممّن يأتون بعدنا.
والقمّي هذا مقامّ ومؤخّر لأنّ الدهرية لم يقرّوا بالبعث والنشور بعد الموت وانّما قالوا نحيى ونموت { وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ } الاّ مرور الزّمان { وَمَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } اذ لا دليل لهم عليه القمّي فهذا ظنّ شكّ ونزلت هذه الآية في الدهرية وجرت في الذين فعلوا ما فعلوا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله بأمير المؤمنين عليه السلام وبأهل بيته عليه السلام وانّما كان ايمانهم اقراراً بلا تصديق خوفاً من السيف ورغبة في المال.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث وجوه الكفر قال فأمّا كفر الجحود فهو الجحود بالربوبيّة وهو قول من يقول لا ربّ ولا جنّة ولا نار وهو قول صنفين من الزّنادقة يقال لهم الدّهريّة وهم الذين يقولون وما يهلكنا الاّ الدهر وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثّبت منهم ولا تحقيق لشيء ممّا يقولون قال الله عزّ وجلّ { ان هم الاّ يظنّون } انّ ذلك كما يقولون.
وفي المجمع عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم انّه قال
"لا تسبّوا الدّهر فانّ الله هو الدهر" قال وتأويله انّ اهل الجاهليّة كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النّازلة الى الدهر فيقولون فعل الدهر كذا وكانوا يسبّون الدهر فقال عليه السلام انّ فاعل هذه الامور هو الله تعالى فلا تسبّوا فاعلها وقيل معناه فانّ الله مصرف الدهر ومدبره قال والوجه الأوّل احسن فانّ كلامهم مملّو من ذلك ينسبون افعال الله الى الدهر.