التفاسير

< >
عرض

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩٦
جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٩٧
ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩٨
مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٩٩
قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٠٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٠١
-المائدة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (96) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } ولسيارتكم يتزوّدنه قديداً { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } في الكافي عن الصادق عليه السلام لا بأس أن يصيد المحرم السّمك ويأكل مالحه وطريه ويتزوّد وقال أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسّيّارة قال مالحه الذي يأكلون وفصّل ما بينهما كل طير يكون في الأجام يبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ وما كان من صيد البرّ يكون في البرّ ويبيض في البحر فهو من صيد البحر وعنه عليه السلام كل شيء يكون أصله في البحر ويكون في البرّ والبحرِ فلا ينبغي للمحرم أن يقتله فان قتله فعليه الجزاء كما قال الله تعالى وعن أحدهما عليهما السلام قال لا يأكل المحرم طير الماءِ { وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.
{ (97) جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً } وقرء قيماً بغير الف { لِّلنَّاسِ } لمعايشهم ومكاسبهم يستقيم به أمور دينهم ودنياهم يلوذ به الخائف ويأمن فيه الضعيف ويربح عنده التجار باجتماعهم عنده من سائر الأطراف ويغفر بقصده المذنب ويفوز حاجّه بالمثوبات.
في المجمع عن الصادق عليه السلام من أتى هذا البيت يريد شيئاً في الدنّيا والآخرة أصابه والقميّ قال ما دامت الكعبة قائمة ويَحجّ النّاس اليها لم يهلكوا فاذا هدمت وتركوا الحجّ هلكوا { وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلآئِدَ } مضى تفسيرها { ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } يعني إذا أطْلعتم على الحكمة في جعل الكعبة قياماً وما في الحجّ ومناسكه من الحكم علمتم أنّ الله يعلم الأشياءَ جميعاً { وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } تعميم بعد تخصيص ومبالغة بعد اطلاق.
{ (98) اعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وعيد ووعد لمن هتك محارمه ولمن حافظ عليها في التّوحيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام
"عن رسول الله صلىّ عليه وآله وسلم عن جبرئيل عليه السلام قال قال الله تعالى من أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً وهو يعلم أنّ لي أن أعذّبه وان أعفو عنه عفوت عنه."
{ (99) مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ } تشديد في إيجاب القيام بما أمر به { وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } من تصديق وتكذيب وفعل وعزيمة.
{ (100) قُلْ لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ } انساناً كان أو عملاً أو مالاً أو غير ذلك { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } فانّ العبرة بالجودة والرّداءة لا الكثرة والقلّة { فَاتَّقُواْ اللهَ يَآ أُوْلِي الأَلْبَابِ } في تحرّي الخبيث وان كثر وآثروا الطّيّب وان قلّ { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
{ (101) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْألُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإنْ تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } في الكافي عن الباقر عليه السلام لا تسألوا عن أشياء لم تبد لكم أن تبد لكم تسؤكم.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام
"خطب رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فقال إنّ الله كتب عليكم الحجّ فقال عكاشة بن محصن ويروى سراقة بن مالك أفي كل عام يا رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثاً فقال رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم ويحك ما يؤمنك أن أقول نعم والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم كفرتم فاتركوني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فاذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" .
والقمي عن الباقر علي السلام "أن صفيّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها فأقبلت فقال لها عمر غطّي قرطك فانّ قرابتك من رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم لا تنفعك شيئاً فقالت له هل رأيت لي قرطاً يا ابن اللّخناء ثم دخلت على رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك وبكت فخرج رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فنادى الصّلاة جامعة فاجتمع الناس فقال ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في خارجكم لا يسألني اليوم أحد من أبوه إلاّ أخبرته.
فقام إليه رجل فقال من أبي يا رسول الله؟ فقال أبوك غير الذي تدعى له أبوك فلان بن فلان فقام آخر فقال من أبي يا رسول الله قال أبوك الذي تدعى له ثم قال رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه فقام إليه عمر فقال له أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم أعف عنّي عَفَا الله عنك فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا } الآية"
{ عَفَا اللهُ عَنْهَا } قيل استئناف أي عَفَا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا الى مثلها وقيل بل صفة أخرى أي عن أشياء عَفَا الله عنها ولم يكلف بها وكفّ عن ذكرها ويؤيّده قول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أنّ الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها وحَدَّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلّفوها { وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرّط منكم ويعفو عن كثير.