التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
١٠
قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
١١
قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٢
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١٣
قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ
١٤
قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٥
مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ
١٦
وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ
١٧
وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ
١٨
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
١٩
-الأنعام

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (10) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّنْ قَبْلِكَ } تسلية لرسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم على ما يرى من قومِهِ { فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهِزِءُونَ } فأحاط بهم الذي يستهزؤون به من العذاب.
{ (11) قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ } قيل أي سافروا فيها { ثُمَّ انْظُرُوا } بأبصاركم وتفكروا بقلوبكم. والقمي أي انظروا في القرآن وأخبار الأنبياء فانظروا وقد مضى نظيره عن الصادق عليه السلام في سورة آل عمران { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } المستهزئين بالرّسل من الأمم السَالفة حيث استأصلهم بالعذاب.
{ (12) قُلْ لِّمَن مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } سؤال تبكيت { قُلْ للهِ } تقرير لهم أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم في ذلك ولا تقدرون أن تضيفوا شيئاً منه الى غيره { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحِمْةَ } أوجبها على ذاته في هدايتكم الى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الأدلّة وانزال الكتب والإِمهال على الكفر والذنوب لتدارك ما فرط { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } قرناً بعد قرن { إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } قيل استيناف ووعيد على اشراكهم واغفالهم النظر وقيل بدل من الرّحمة فانّه منها { الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ } بتضييع رأس مالهم الّذي هو الفطرة الأصليّة { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } فانّ ابطال الفطرة ادّاهم الى الإِصرار على الكفر.
{ (13) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } ما تمكنَ وحلّ من السّكنى ذكر في الأوّل السَّمَواتِ والأرض المشتملتين على الأمكنة جميعاً وهنا الليل والنهار المشتملين على الأزمنه جميعاً ليعمّ الموجودات التي تندرج تحت الظّرفين { وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } لا يخفى عليه شيء.
{ (14) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } انكار لاتخّاذ غير الله وليّاً لا لإتّخاذ الوليّ ولذلك قدّم غير وأوْلِيَ الهمزة { فَاطِر السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } منشؤهما ومبدعهما ابتدأ بقدرته وحكمته من غير احتذاءِ مثال { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } يرزق ولا يرزق يعني أنّ المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الإِنتفاعُ { قُلْ إنِّي أُمِرْتُ } أي أمرني ربّي { أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } لأنّ النّبي سابق أمّته في الإِسلام { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وقيل لي ولا تكوننّ من المشركين ويجوز عطفه على قل.
{ (15) قُلْ إِنّي أخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } مبالغة أخرى في قطع أطماعهم وتعريض لهم بأنهم عصاة مستوجبون للعذاب.
العياشي
"عن الصادق عليه السلام ما ترك رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم إنّي أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم حتى نزلت سورة الفتح فلم يعد الى ذلك الكلام" .
{ (16) مَّنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ } يعني العذاب وقرءَ بالبناءِ للفاعل { فَقَدْ رَحِمَهُ } وتفضّل عليه، في المجمع "عن النبي صلىّ الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلاّ ان يتغمّدني الله برحمة منه وفضل" { وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ }.
{ (17) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ } ببلية كمرض وفقر { فَلا كاشِفَ لَهُ } فلا قادر على كشفِهِ { إلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ } بنعمة كصحة وغنىً { فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } يقدر على إدامته وازالته.
{ (18) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } تصوير لقهره وعلّوه بالغلبة والقدرة يعني أنّهم تحت تسخيره وتذليله { وَهُوَ الْحَكِيمُ } في أمره وتدبيره { الْخَبِيرُ } بالعباد وخفايا أحوالهم وبكل شيء.
{ (19) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً } أعظم شهادة وأصدق { قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِـى وَبَيْنَكُمْ } قيل الله جواب وشهيد مستأنف بتقدير هو وقيل بل الله شهيد سادّ مسدّ الجواب.
أقولُ: لعلّه أريد أنه لا يحتاج إلى الجواب ويكون معنى السّؤال أنّه غير خاف أنّ الله هو أكبر شيء شهادة وأنتم أيضاً تعلمون ذلك ومعنى الله شهيد أن الله الذي هو أكبر شيء شهادة هو الذي يشهد لي بالنبوّة وانّما جاز اطلاق الشّيء على الله تعالى لإخراجه عن حدّ التعطيل ولكنه شيء بخلاف الأشياءِ كذا في الكافي عن الصادق عليه السلام.
القميّ عن الباقر عليه السلام
"إن مشركي أهل مكّة قالوا يا محمّد ما وجد الله رسولاً يرسله غيرك ما نرى أحداً يصدّقك بالذي تقول وذلك في أوّل ما دعاهم وهو يومئذ بمكّة قالوا ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعمُوا أنّه ليس لك ذكر عندهم فأتانا بأمر يشهد أنّك رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم الله شهيد بيني وبينكم { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ }" قيل يعني انذركم وأنذر سائر من بلغه الى يوم القيامة.
وفي المجمع والكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية ومن بلغ أن يكون إماماً من آل محمد صلوات الله عليهم فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم.
والقميّ ما في معناه { أَئِنَّكُمْ لتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى } تقرير لهم مع انكار واستبعاد { قُلْ لآَّ أَشْهَدُ } بما تشهدون { قُلْ إِنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ } بل اشهد أن لا إله إلا هو { وَإِنَّنِى بَريءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } به من الأوثان وغيرها.