التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٤
وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ
٥٥
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ
٥٦
قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ
٥٧
قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ
٥٨
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ
٥٩
-الأنعام

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (54) وَإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } قيل نزلت في الّذين نهى الله عزّ وجلّ نبيّه عن طردهم وكان النبّي صلىّ الله عليه وآله وسلم إذا رآهم بدأهم بالسّلام وقيل نزلت في حمزة وجعفر وعمّار ومصعب بن عمير وغيرهم.
وقيل أنّ جماعةً أتوا رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم وقالوا انّا أصبنا ذنوباً كثيرة فسكت عنهم فنزلت.
وفي المجمع عن الصّادق عليه السلام أنّها نزلت في التائبين ويؤيّده تمام الآية ولا تنافي الرّوايات { أَنَّهُ } استيناف يفسّر الرّحمة وقرئ بالفتح على البدل منها { مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ } بالتدارك { فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وقرئ بالفتح.
{ (55) وَكَذلِكَ } ومثل ذلك التفصيل الواضح { نُفَصِّلُ الآيَاتِ } آيات القرآن في صفة المطيعين والمجرمينَ المصرّين منهم والأوّابين { وَلِتَسْتَبينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } قرئ بالتّاءِ ونصب السّبيل على الخطاب وبالياءِ ورفعها.
{ (56) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ } صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلّة وأنزل عليّ من الآيات في أمر التوحيد { أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ } تعبدون { مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لآَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءََكُمْ } تأكيد لقطع أطماعهم واشارة إلى الموجب للنّهي وعلّة الإِمتناع عن متابعتهم واستجهال لهم وبيان مبدأ ضلالهم وانّ ما هم عليه هوىً وليس بهدىً وتنبيه لمن تحرّى الحقّ على أن يتّبع الحجّة ولا يقلّد { قَدْ ضَلَلْتُ إذاً } اي اتّبعت أهواءكم فقد ضللت { وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } أي في شيء من الهدى حتّى أكون من عدادهم وفيه تعريض بأنهّم كذلك.
{ (57) قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ } على حجة واضِحة { مِّنْ رَّبِّي } من معرفة ربّي وانّه لا معبود سواه أو صفة لبّينة { وَكَذَّبْتُم بِهِ } أنتم حيث أشركتم به غيره { مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } قيل يعني العذاب الذي استعجلوه بقولهم فامطر علينا حجارة من السّماءِ أو ائتنا بِعذابٍ أليم { إِنِ الْحُكْمُ إلاَّ لِلّهِ } في تعجيل العذاب وتأخيره { يَقُصُّ الْحَقَّ } قضاء الحقّ في كلّ ما يقضي من التأخير والتعجيل { وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } القاضين وقرئ يقصّ الحقّ أي يتبعه من قصّ أثره.
{ (58) قُل لَّوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } من العذاب { لَقُضِيَ الأَمْرُ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ } لأهلكتكم عاجلاً غضباً لربي وانقطع ما بيني وبينكم { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ } في معنى استدراك كأنّه قال ولكنّ الأمر إلى الله وهو أعلم بمن ينبغي أن يؤخذ وبمن ينبغي أن يمهل كذا قيل.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث وقال الله عزّ وجلّ لمحمّد صلىّ الله عليه وآله وسلم قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم قال لو أنّي أمرت أن أعلمكم الّذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي فكان مثلكم كما قال الله عزّ وجلّ
{ { كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } [البقرة: 17] يقول أضاءت الأرض بنور محمّد صلىّ الله عليه وآله وسلم كما تضيء الشمس الحديث.
{ (59) وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } خزائنه إِن كان جمع المفتح بفتح الميم بمعنى المخزن أو مفاتيحه إن كان جمع المِفتح بكسر الميم بمعنى المفتاح أي ما يتوصّل به إلى المغيبات وقرئ مفاتيح { لاَ يَعْلَمُهَآ إلاَّ هُوَ } فيظهرها على ما اقتضته حكمته { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ اْلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ } معطوفات على ورقة { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } قيل أي علم الله أو اللّوح المحفوظ أو القرآن بدل من الإِستثناءِ الأوّل وقرئت المعطوفات بالرّفع عطفاً على محلّ من ورقة أو على الإِبتداءِ والخبر إلاّ في كتاب، في الفقيه في خطبة لأمير المؤمنين عليه السّلام وما تسقط من ورقة من شجرة.
وفي الكافي والمعاني والعياشي عن الصّادق عليه السّلام والقميّ الورقة السّقط والحبّة الولد وظلمات الأرض الأرحام والرّطب ما يحيى واليابس ما يغيض وكلّ ذلك في كتاب مبين والعياشي عن الكاظم عليه السّلام الوَرَقة السقط يسقط من بطن أمّه من قبل أن يهلّ الولد والحبّة الولد في بطن أمّه إذا هلّ وسقط من قبل الولادة والرطب المضغة إذا استكنت في الرّحم قبل أن يتّم خلقها قبل أن تنتقل واليابس الولد التّام والكتاب المبين الإِمام المبين.
وفي الإِحتِجاج عن الصادق عليه السّلام في حديث وقال لصاحبكم أمير المؤمنين عليه السّلام قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب وقال الله عزّ وجل ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وعلم هذا الكتاب عنده.
أقول: قد مضى معنى الكتاب من جهة التّأويل في أوّل سورة البقرة.