التفاسير

< >
عرض

وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٥٩
وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١٦٠
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٦١
فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ
١٦٢
وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
١٦٣
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
١٦٤
فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
١٦٥
فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
١٦٦
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٦٧
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
١٦٨
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦٩
-الأعراف

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (159) وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ } بكلمة الحق { وَبِهِ } وبالحق { يَعْدِلُونَ } بينهم في الحكم.
العياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قوم موسى هم أهل الإِسلام.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام أن هذه الأُمّة قوم من وراء الصين بينهم وبين الصين واد حارّ من الرمل لم يغيروا ولم يبدلوا ليس لأحدهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون لا يصل اليهم منّا أحد ولا منهم الينا وهم على الحق قال وقيل أنّ جبرئيل انطلق بالنبيّ صلّى الله عليه وآله ليلة المعراج إليهم فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة فآمنوا به وصدّقوا وأمرهم أن يقيموا مكانهم ويتركوا السبت وأمرهم بالصلاة والزكاة ولم يكن نزلت فريضة غيرهما ففعلوا قال وروى أصحابنا أنّهم يخرجون مع قائم آل محمد عليهم السلام.
وروي أنّ ذا القرنين رآهم وقال لو أمرت بالمقام لسرّني أن اُقيم بين أظهركم.
{ (160) وَقَطَّعْنَاهُمُ } وصيرناهم قطعاً متميزاً بعضهم عن بعض { إثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً } والأسباط ولد الأولاد والأسباط في ولد يعقوب بمنزلة القبايل في ولد اسماعيل { وَأَوْحَيْنَآ إلَى مُوسَى إذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } في التيه { أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ } أي فضرب فانبجست وفي حذفه اشارة الى أنّه لم يتوقف في الإِمتثال { مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسِ مَّشْرَبَهُمْ } كلّ سبط مشربهم { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ } ليقيهم حرّ الشمس { وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ } أي وقلنا لهم كُلوا { مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } مضى تفسيره في سورة البقرة.
{ (161) وَإذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هذِهِ الْقَرْيَةَ } باضمار اذكر والقرية بيت المقدس { وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ } { سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ }.
{ (162) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزَاً مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } مضى تفسيره فيها وقرء تغفر بالتاء والبناء للمفعول وخطيئتكم بالتوحيد وخطاياكم.
{ (163) وَسْأَلْهُمْ } واسأل اليهود وهو سؤال تقريع بقديم كفرهم وتجاوزهم حدود الله { عَنِ الْقَرْيَةِ } عن خبرها وما وقع بأهلها { الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ } قريبة منه { إذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ } يتجاوزون حدود الله تعالى بالصيد يوم السبت وقد نهوا عنه { إذْ تَأَْتِيِهِمْ حِيْتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ } يوم تعظيمهم أمر يوم السبت مصدر سبت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة { شُرَّعاً } ظاهرة على وجه الماء من شرع عليه إذا دنا منه وأشرف { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيِهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }.
{ (146) وَإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ } جماعة من أهل القرية { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ } مخترمهم { أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } لتماديهم في العصيان { قَالُواْ مَعْذِرَةً } وقرء معذرة بالرفع { إِلَى رَبِّكُمْ } يعني موعظتنا أنها عذراً إلى الله حتى لا تنسب إلى تفريط في النهي عن المنكر { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك.
{ (165) فَلَمَّا نَسُواْ } تركوا ترك الناسي { مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } ما ذكرهم به الواعظون { أَنْجَيْنَا الَّذينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } شديد من بَؤُسَ يَبْؤُسُ بأساً إذا اشتدّ وقرء على وزن ضيغم وبكسر الباء وسكون الهمزه وبكسرها وقلب الهمزة ياءً { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } بسبب فسقهم.
{ (166) فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } تكبّروا عن النهي أو عن ترك ما نهوا عنه وهذا مثل قوله تعالى وعتوا عن ربّهم { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } مطرودين مبعدين من كل خير كقوله انما قلنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون.
في تفسير الإِمام عليه السلام في سورة البقرة عند قوله
{ { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [البقرة: 65] قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: كان هؤلاء قوماً يسكنون على شاطىء بحر نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت فتوصلوا إلى حيلة ليحلّوا بها لأنفسهم ما حرّم الله فخدّوا أخاديد وعملوا طرقاً تؤدي إلى حياض تتهيّأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ولا يتهيأ لها الخروج إذ همّت بالرجوع فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان لها فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغُدران فلما كانت عشية اليوم همّت بالرجوع منها إلى اللّجُجَ لتأمن من صايدها فرامت الرجوع فلم تقدر وبقيت ليلها في مكان يتهيّؤ أخذها بلا اصطياد لإِسترسالها فيه وعجزها عن الإِمتناع لمنع المكان لها وكانوا يأخذون يوم الأحد ويقولون ما اصطدنا في السبت إنما اصطدنا في الأحد وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك ما لهم وثراهم وتنعموا بالنساء وغيرهم لإِتساع أيديهم به.
وكانوا في المدينة نيفاً وثمانين ألفاً فعل هذا منهم سبعون ألفاً وأنكر عليهم الباقون كما قص الله واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر الآية وذلك أنّ طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ومن عذاب الله خوفوهم ومن انتقامه وشدائد بأسه حذروهم فأجابوهم من وعظهم لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم بذنوبهم هلاك الإِصطلام أو معذبهم عذاباً شديداً أجاب القائلين هذا لهم معذرة إلى ربكم هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم إذا كلفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم قالوا ولعلهم يتقون ونعظهم أيضاً لعلَّهم ينجع فيهم المواعظ فيتّقوا هذه الموبقة ويحذروا عقوبتها.
قال الله تعالى فلما عَتَوا حادوا واعرضوا وتكبّروا عن قبول الزّجر عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قِرَدَةً خاسئين مبعدين من الخير مبغضين فلما نظر العشرة الآلاف والنيف انّ السبعين ألفاً لا يقبلون مواعظهم ولا يخافون بتخويفهم إيّاهم وتحذيرهم لهم اعتزلوهم إلى قرية اخرى وانتقلوا الى قرية من قريتهم وقالوا نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلهم قردة وبقي باب المدينة مغلقاً لا يخرج منه أحد ولا يدخله أحد وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم وسَمَوا حيطان البلد فاطلعوا عليهم فاذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردةً يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرين معارفهم وقراباتهم وخلطائهم فيقول المطلع لبعضهم أنت فلان وأنت فلانة فتدمع عينه ويؤمي برأسه أو بفمه بلى أو نعم فما زالوا كذلك ثلاثة أيام ثم بعث الله تعالى مطراً وريحاً فجرفهم الى البحر وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام وإنما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فانما هي أشباهها لا هي بأعيانها ولا من نسلها.
والقمّي والعياشي عن الباقر عليه السلام قال وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام أن قوماً من أهل أيْلَة من قوم ثمود وانّ الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها فلبثوا في ذلك ما شاءَ الله لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها ثم ان الشيطان أوحى الى طائفة منهم انما نهيتم عن أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها فاصطادوها يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الأيام فقالت طائفة منهم الآن نصطادها فعتت وانحازت طائفة اخرى منها ذات اليمين فقالوا ننهاكم عن عقوبة الله ان تتعرضوا بخلاف أمره واعتزلت طائفة منهم ذات الشمال وسكتت فلم يتعظهم فقالت للطائفة التي وعظتهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً فقالت الطائفة التي وعظتهم معذرةٌ إلى ربّكم ولعلهم يتّقون.
قال فقال الله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به يعني لما تركوا ما وعظوا به مضوا على الخطيئة فقالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريباً من المدينة فباتوا تحت السماء فلما أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله تعالى غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فاذا هو مصمت فدقّوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حس أحد فوضعوا سلّماً على سور المدينة ثمّ أصعدوا رجلاً منهم فأشرف على المدينة فنظر فاذا هو بالقوم قردةً يتعاوون فقال الرجل لأصحابه يا قوم أرى والله عجباً قالوا وما ترى قال ارى القوم قد صاروا قردةً يتعاوون لها أذناب فكسروا الباب ودخلوا المدينة قال فعرفت القردة أنسابها من الإِنس ولم يعرف الإِنس أنسابها من القردة فقال القوم للقردة ألم ننهكم.
قال فقال عليّ عليه السلام والله الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّي لأعرف أنسابهم من هذه الأُمة لا ينكرون ولا يغيّرون بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا وقد قال الله فبعداً للقوم الظالمين فقال الله انجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية كانوا ثلاثة أصناف صنف ائتمروا وأمروا فنجوا وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمسخوا ذرّاً وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا والعياشي عن الباقر عليه السلام ما في معناه.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام هلكت الفرقتان ونجت الفرقة الثالثة.
{ (167) وَإذْ تَأذَّنَ رَبُّكَ } تفعل من الإِيذان بمعنى الاعلام أو العزم والإِقسام معناه واذكر اذا علم أو عزم ربّك وأقسم { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } ليسلِّطنَّ على اليهود { إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ } يكلفهم { سُوءَ الْعَذَابِ } شدته بالقتل والإِذلال وضرب الجزية قيل بعث الله عليهم من بعد سليمان بخت نصر فخرّب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدّونها إلى المجوس حتى بعث الله محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم ففعل ما فعل وضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر.
وفي المجمع في الباقر عليه السلام أنّ المعنى بهم أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم { إنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ } عاقبهم في الدنيا { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن تاب وآمن.
{ (168) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً } وفرّقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو بلد من فرقة منهم { مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ } هم الذين آمنوا بالله ورسوله { وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ } ناس دون ذلك أي منحطّون عن الصلاح وهم كفرتهم وفسقتهم{ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ } بالنعم والنقم والمسخ والمحن { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يتنبهون فينيبون.
{ (169) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } بدل سوء وهو بالتسكين شائع في الشرّ وبالتحريك في الخير وقيل المراد به الذين كانوا في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم { وَرِثُوا الْكِتَابَ } التوراة من أسلافهم { يَأَْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الأَدْنَى } حطام هذا الشيء الأدنى يعني الدنيا قيل هو ما كانوا يأخذون من الرشاء في الحكم وعلى تحريف الكلم للتسهيل على العامة { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه { وَإِن يَأْتِهِمْ عََرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخَذُوهُ } أي يرجون المغفرة وهم مصرون وعايدون إلى مثل فعلهم غير تائبين عنه { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ } الميثاق في التوراة { أن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى اللهِ إلاَّ الْحَقَّ } بأن لا يكذبوا على الله ولا يضيفوا إليه إلا ما أنزله { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } وقرؤا ما فيه فهم ذاكرون لذلك.
في الكافي عن الصادق عليه السلام أن الله خصّ عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا حتى يعلموا ولا يردوا ما لم يعلموا وقال عزّ وجلّ { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق } وقال
{ { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } [يونس: 39] والعياشي عنه وعن الكاظم عليهما السلام ما يقرب منه { وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } محارم الله ممّا يأخذ هؤلاء { أَفَلاَ يَعْقِِلُونَ } فيعلمون ذلك وقرء بالخطاب.