التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٣٢
-الأعراف

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (32) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ } من الثياب وسائر ما يتجمّل به { الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } من الأرض كالقطن والكتان والأبريسم والصوف والجواهر { وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } المستلذات من المآكل والمشارب وهو انكار لتحريم هذه الأشياءِ.
في الكافي عن الصادق عليه السلام بعث أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن العباس الى ابن الكوّا وأصحابه وعليه قميص رقيق وحلّة فلما نظروا إليه قالوا يا ابن عباس انت خيرنا في أنفسنا وأنت تلبس هذا اللباس فقال: هذا أوّل ما اخاصمكم فيه قل من حرّم زينة الله الّتي أخرج لعباده والطّيباتِ من الرزق وقال الله
{ { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [الأعراف: 31].
والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه.
وفي الكافي عنه عليه السلام أنّه رآه سفيان الثوري وعليه ثياب كثيرة القيمة حسان فقال والله لآتينّه ولأوبخنّه فدنا منه فقال يا ابن رسول الله ما لبس رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم مثل هذا اللباس ولا عليّ عليه السلام ولا أحد من آبائك فقال له كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في زمانٍ قَتِرٍ مُقْتَرٍ وكان يأخذ لقتره واقتاره وانّ الدنيا بعد ذلك ارخت عزاليها فأحق أهلها بها ابرارها ثم تلا قُل مَنْ حَرَّمَ زَِينةَ اللَّهِ الآية فنحن أحقّ من أخذ منها ما أعطاه الله غير أنّي يا ثوريّ ما ترى عليّ من ثوب انّما لبسته للنّاس ثم اجتذب يد سفيان فجرها اليه ثم رفع الثوب الأعلى وأخرج ثوباً تحت ذلك على جلده غليظاً فقال هذا لبسته لنفسِي وما رأيته للناس ثم جذب ثوباً على سفيان اعلاه غليظ خشن وداخل ذلك الثوب ثوب لينّ فقال لبست هذا الأعلى للناس ولبستّ هذا لنفسك تسرّها.
وعنه عليه السلام أنّه كان متّكئاً على بعض أصحابه فلقيه عبّاد بن كثير وعليه ثياب مروية حسان فقال يا أبا عبد الله انّك من أهل بيت نبوّة وكان أبوك وكان فما لهذه الثياب المرويّة عليك فلو لبست دون هذه الثياب المرويّة عليك فقال له ويلك يا عبّاد من حرّم زينة الله الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرزق انّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يراها عليه ليس بها بأس ويلك يا عبّاد انّما أنا بضعة من رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فلا تؤذوني وكان عبّاد يلبس ثوبين من قطن.
وعنه عليه السلام انه قيل له أصلحك الله ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجيد فقال له إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به فخير لباس كلّ زمان لباس أهله غير أنّ قائمنا اذا قام لبس لباس عليّ وسار بسيرته.
أقول: وفي رواية أخرى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه علّل خشونة مطعمه وملبسه بأن الله فرض على أئمّة العدل أن يقدروا أنفسهم بضَعَفَة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا } بالأصالة وامّا مشاركة الكفار لهم فيها فتبعٌ { خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ } لا يشاركهم فيها غيرهم وقرء بالرّفع.
في الكافي عن الصادق عليه السلام بعد أن ذكر أنهار الأرض فما سقت واستقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدّونا منه شيء إلاّ ما غصب عليه وانّ وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه وذه يعني فيما بين السّماءِ والأرض ثم تلا هذه الآية { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا } المغصوبين عليها خالصةً لهم يوم القيامة بلا غصب.
وفي الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث واعلموا يا عباد الله انّ المتقين حازوا عاجل الخير وآجله شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم به وأغناهم قال الله { قل من حرّم زينةَ الله } الآية سكنوا الدنيا بأفضل ما سُكنت وأكلوها بأفضل ما أُكلت شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون وشربوا من طيبات ما يشربون ولبسوا من أفضل ما يلبسون وسكنوا من أفضل ما يسكنون وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون وركبوا من أفضل ما يركبون وأصابوا لذّة الدنيا مع أهل الدنيا وهم غدا جيران الله يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون لا ترد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من اللذة فإلى هذا يا عباد الله يشتاق اليه كان له عقل { كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي كتفصيلنا هذا الحكم نفصّل سائر الأحكام لهم.