التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٤٨
إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٤٩
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٥٠
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ
٥١
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٥٢
-الأنفال

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (48) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } في معاداة الرسول وغيرها بأن وسوس إليهم { وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } مجيركم { فَلَمَّا تَرآءَتِ الْفِئَتَانِ } تلاقى الفريقان { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ } رجع القهقرى وبطل كيده وعاد ما خيل اليهم أنه مجيرهم سبب هلاكهم { وَقَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ } يعني جنود الملائكة { إنِّي أَخَافُ اللهَ } أن يصيبني مكروهاً { وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } قد مضى لهذه الآية بيان في سورة آل عمران في قصة بدر.
وفي المجمع عن الباقر والصادق عليهما السلام أنهم لما التقوا كان إبليس في صفّ المشركين آخذاً بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه فقال له الحارث يا سراقة اتخذلنا على هذه الحال فقال إنّي أرى ما لا ترون فقال والله ما ترى إلاّ جواسيس يثرب فدفع في صدر الحرث وانطلق وانهزم الناس فلما قدموا مكة قال الناس هزم سراقة فبلغ سراقة فقال والله ما شعرت بمسيركم حتّى بلغني هزيمتكم فقالوا إنّك آتيتنا يوم كذا فحلَفَ لهم فلمّا أسلموا علموا أنّ ذلك كان الشيطان.
العياشي عن السّجّاد عليه السلام لما عطش القوم يوم بدر انطلق عليّ عليه السلام بالقربة يستقي وهو على القليب إذ جاءت ريح شديدة ثم مضت فلبث ما بدا له ثم جاءت ريح أخرى ثم مضت ثم جاءت أخرى كاد أن تشغله وهو على القليب ثم جلس حتى مضى فلما رجع إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم أخبره بذلك فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم
"أمّا الريح الأولى ففيها جبرئيل مع ألف من الملائكة والثانية فيها ميكائيل مع ألف من الملائكة والثالثة فيها اسرافيل مع ألف من الملائكة وقد سلّموا عليك وهم مدد لنا وهم الذين رآهم إبليس فنكص على عقبيه يمشي القهقرى حين يقول { إنّي أرى ما لا ترون } الآية"
{ (49) إذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } الشاكون في الإِسلام { غَرَّ هَؤُلآَءِ دِينُهُمْ } يعنون المسلمين أي اغتّروا بدينهم حتى تعرضوا مع قلّتهم لقتال جمّ غفير { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ } جواب لهم { فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ } غالب ينصر الضعيف على القويّ والقليل على الكثير { حَكِيمٌ } يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل ويعجز عن ادراكه وقد مضى لهذه الآية وما بعدها بيان في قصة بدر.
{ (50) وَلَوْ تَرَى } ولو رأيت وشاهدت فانّ لو تجعل المضارع ماضياً عكس إنْ { إذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْملاَئِكَةُ } ببدر وقد قرئ تتوفّى بالتاءِ { يَضِرْبُونَ وُجُوهَهُمْ } ما أقبل منهم { وَأَدْبَارَهُمْ } وما أدبر.
العياشي مرفوعاً إنّما أرادَ وَاسْتَاهَهُم انّ الله كريم يكنّي { وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ } ويقولونَ ذوقوا عذاب الآخرة وقيل كانت معهم مقامع من حديد كلّما ضربوا التهبت النار منهم.
وفي المجمع
"عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم أنّ رجلاً قال له إنّي حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه فبدر رأسه فقال سَبَقك إليه الملائكة" .
{ (51) ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } بسبب ما كسبت أيديكم من الكفر والمعاصي { وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد } بأنّ الله يعذب الكفار بالعدل لأنّه لا يظلم عباده في عقوبتهم وظلاّم للمتكثّر لأجل العبيد.
{ (52) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } اي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون ودأبهم وعادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه أي داوموا عليه { وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من قبل آل فرعون { كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللهِ } تفسير لدأبهم { فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ } كما أخذ هؤلاءِ { إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } لا يلغب في دفعه شيء.