التفاسير

< >
عرض

لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١١٠
إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١١١
ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١١٢
-التوبة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (110) لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَواْ } يعني مسجد الضرار { رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ } سبب شكّ وازدياد نفاق في قلوبهم ولا يضمحلّ أثره ثمّ لمّا هدمه الرّسول رسخ ذلك في قلوبهم وازداد بحيث لا يزول رسمه { إلآَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } قطعاً بحيث لا يبقى لها قابليّة الادراك والاضمار.
في الجوامع عن الصادق عليه السلام أنّه قرأ إلى أن تقطع والقميّ حتى تقطع قلوبهم وقرىء نقطع { وَاللهُ عَلِيمٌ } بنيّاتهم { حَكِيمٌ } فيما أمر بهدم بنائهم.
القميّ فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم مالك بن دخثم الخزاعي وعامر بن عدي أخا بني عمرو بن عوف على أن يهدموه ويحرّقوه فجاء مالك فقال لعامر انتظرني حتى أخرج ناراً من منزلي فدخل وجاء بنار وأشعل في سعف النّخل ثم أشعله في المسجد فتفرقوا وقعد زيد بن حارثة حتى احترقت البنية ثمّ أمر بهدم حايطه.
{ (111) إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } تمثيل لاثابة اللهِ إيّاهم بالجنّة على بذل أنفسهم وأموالهم في سبيله { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } استيناف ببيان ما لأجله الشرّى وقرىء بتقديم المبنى للمفعُول { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْءَانِ } وَعَدَ ذلك على نفسه وعداً ثابتاً مثبتاً في الكتب الثلاثة { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ } أي لا أحد أوفى بعهده من الله { فَاسْتَبْشَرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّّذِي بَايَعْتُم بِهِ } فافرحوا به غاية الفَرَح إذ بعتم فانياً بباق وزائلاً بدائم { وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.
{ (112) التَّآئِبُونَ } رفع علىالمدح أي هم التّائبون.
وفي قراءة الباقر والصادق عليهمَا السلام التّائبين إلى قوله والحافظين رواها في المجمع عنهما عليهما السلام اجراء على الصّفة للمؤمنين.
في الكافي عن الباقر عليه السلام أنّه تلا [تلي ظ] عنده التائبون العابدون فقال لا إِقْرَأْ التائبين العابدين إلى آخرها فسئل عن العلّة في ذلك فقال اشترى من المؤمنين التّائبين العابدين { الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّآئِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الأَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين }.
في الكافي عن الصادق عليه السلام لما نزلت هذه الآية إن الله اشترى من المؤمنين قام رجل إلى النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال يا نبيّ الله أرأيتك الرّجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنّه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو فأنزل الله على رسوله { التائبون العابدون } الآية فبشّر النبي المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنّة.
وقال التائبون من الذنوب العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئاً الحامدون الذين يحمدون على كلّ حال في الشّدة والرخاءِ السائحون الصائمون الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس الحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها والخشوع فيها وفي أوقاتها الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به والنّاهون عن المنكر والمنتهون عنه فبشّر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنّة الحديث.
أقول: إنّما فسّر السياحة بالصيام لقول النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم
"سياحة أمتي الصيام"
وعنه عليه السلام لقي عباد البصري عليّ بن الحسين عليه السلام في طريق مكّة فقال يا عليّ بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحجّ ولينته { إنّ الله اشترى من المؤمنين } الآية فقال له عليّ بن الحسين عليه السلام أتمّ الآية فقال { التائبون العابدون } الآية فقال له عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا رأينا هؤلاءِ الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحجّ.
والقميّ لقي الزّهري عليّ بن الحسين عليه السلام إلى آخر الحديث.
العياشي قال هم الأئمّة عليهم السلام.
والقميّ قال نزلت الآية في الأئمّة عليهم السلام لأنّه وصفهم بصفة لا تجوز في غيرهم فالآمرون بالمعروف هم الذين يعرفون المعروف كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليله والناهون عن المنكر هم الذين يعرفون المنكر صغيره وكبيره والحافظون لحدود الله هم الذين يعرفون حدود الله صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليلها ولا يجوز أن يكون بهذه الصّفة غير الأئمّة عليهم السلام.
وفي نهج البلاغة أنّه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها إلاّ بها.
وفيه فلا أموال بذلتموها للذي رزقها ولا أنفس خاطرتم بها للذي خلقها.
والعياشي عن الباقر عليه السلام أنّه سئل عن قول الله تعالى { انّ الله اشترى } الآية.
فقال يعني في الميثاق ثم قرأت عليه التائبون العابدون فقال لا اقرأها التائبين العابدين إلى آخر الآية وقال إذا رأيت هؤلاءِ فعند ذلك هؤُلاء اشترى منهم أنفسهم وأموالهم يعني في الرّجعة.