التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١١٣
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } عطفٌ على قالوا، او على ما عطف هو عليه وهو اظهارٌ لدعوى باطلةٍ أخرى لهم من غير حجّةٍ تفضيحاً لهم بغرورهم وحمقهم وانّ ما قالوا فى انكار رسالة رسول الله (ص) من هذا القبيل ولا يقولون قولاً عن حجّة { لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ } من الدّين { وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } يعنى قالوا ذلك والحال أنّهم علماء تابعون للشّرائع او علماء قارؤن الكتب الالهيّة والعالم لا يبرز دعوى بلا حجّة وفى الكتب الالهيّة تأديبات وتعليمات لكيفيّة اظهار الدّعوى فالعاقل العالم القارئ للكتاب التّابع للشّرائع لا يظهر دعوى بلا حجّة وليس المقصود تكذيبهم فى اصل ٱدعائهم بل كلا الفريقين مصدّقان فى اصل الدّعوى بعد نسخ أديانهما بدين محمّدٍ (ص)، او المقصود تكذيبهم فى اصل الدّعوى وتثريبهم فى طريق اظهاره فانّ كّلا بانكار كون صاحبه على دين حقّ ينكر كون نبىّ صاحبه ودينه وشريعته وكتابه على الحقّ وهذا دعوى باطلة فى نفسها باطلة من حيث عدم الاتيان بالبرهان عليها، ولمّا كان عامّة النّاس بل عامّة الحيوان ديدنهم ان ينكروا ما وراء معتادهم وما وراء ما رأوه من آبائهم، ويحسبوا انّ الحقّ هو ما اعتادوه من غير حجّةٍ عليه سوى قولهم انّا وجدنا آباءنا على امّةٍ قال تعالى: { كَذَلِكَ } اى مثل قولهم { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } اى لا يكون لهم علم { مِثْلَ قَوْلِهِمْ } فهو تأكيد لقوله تعالى { كذلك } والمقصود تفضيح آخر لهم بان تشبّهوا بالجهّال يعنى انّ اتّباعهم للشّرائع وقراءتهم للكتب لم يكن يورثهم علماً بل كان ذلك ايضاً محض التّقليد والاعتياد والاّ فما قالوا شيئاً يشبه قول الجهّال وكأنّ الامّة المرحومة أخذوا هذه الشّيمة من اليهود والنّصارى فأخذ كلٌّ فى انكار صاحبه من غير سلطانٍ كبر مقتاً عند الله ان يقولوا ما لا يعلمون لكن بما كان كلّ حزب بما لديهم فرحين لا يتركون انكار ما لا يعلمون { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } بين الجماعتين او بين المختلفين من اليهود والنّصارى والّذين يحذو حذوهم فى هذا القول { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من غير حجّة وعلم. وذكر فى نزول الآية انّها نزلت فى طائفتين من اليهود والنّصارى جاؤا الى رسول الله (ص) وعرضوا عليه هذين القولين وقالوا يا محمّد اقض بيننا.