التفاسير

< >
عرض

وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١٩٦
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ } باتمام مناسكهما وترك المحرّمات فيهما، ونسب الى الباقر (ع) انّه قال تمام الحجّ لقاء الامام (ع)، وعن الصّادق (ع) اذا حجّ احدكم فليختم حجّه بزيارتنا لانّ ذلك من تمام الحجّ، وعلى هذا فيجوز ان يقال: معنى قوله: { وانفقوا فى سبيل الله } أنفقوا ممّا ينسب الى انانيّاتكم فى سبيل الحجّ الصورىّ والحجّ المعنوىّ واقتصدوا فى الانفاق حتّى لا تهلكوا انفسكم قبل استكمالها، وأتمّوا الحجّ الصورىّ بلقاء الامام بحسب الصّورة والحجّ المعنوىّ بلقائه المعنوىّ فيكون امراً بالفكر الّذى هو مصطلح الصّوفيّة وهو عبارة عن المجاهدة فى العبادة والاذكار القلبيّة واللّسانيّة حتّى يصفو النّفس من الكدورات فيتمثّل الامام على الجاهد { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } الحصر والاحصار الحبس والمنع لكنّه خصّص فى الحجّ بمن منعه غير العدوّ عن امضاء حجّه والصّدّ بمن منعه العدوّ واحكامهما موكولة الى الكتب الفقهيّة { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } اى فعليكم ما استيسر من الهدى { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً } مرضاً يحوجه الى الحلق قبل وصول الهدى محلّه { أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ } يحتاج بسببه الى حلقه { فَفِدْيَةٌ } اى فعليه حلقه وفدية { مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } نسب الى الصّادق (ع) أنّه قال: اذا أحصر الرّجل بعث بهديه فان اذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فانّه يذبح شاة فى المكان الّذى أحصر فيه او يصوم او يتصدّق والصّوم ثلاثة ايّام والصّدقة على ستّة مساكين نصف صاع لكلّ مسكين { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } اى اذا كنتم آمنين من الحصر والصّدّ { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ } تلذّذ بالمحلّلات فى العمرة بان احلّ من احرامها او بسبب احلال العمرة او بنفس العمرة تلذّذاً روحانيّاً فانّ العبادات ولا سيّما مناسك الحجّ الّتى هى صور مناسك بيت الله الحقيقىّ فيها لذّة روحانيّة لا تقاس باللّذات الجسمانيّة { إِلَى ٱلْحَجِّ } اى احرام الحجّ او منصرفاً الى الحجّ او مستمرّاً تمتّعه الى اتمام الحجّ { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } فعليه ما تيسّر له من دمٍ وأقلّه شاة يعنى انّ من احرم بحجّ التّمتّع بان يقدّم العمرة على الحجّ فاحرم من الميقات ودخل مكّة وطاف بالبيت وصلّى وسعى واحلّ ثمّ احرم بالحجّ من الحرم يجب عليه الهدى وهذا النّوع من الحجّ فرض النّائى عن مكّة وهو من كان بين منزله وبين مكّة اثنا عشر ميلاً او ثمانية واربعون ميلاً او ثمانية عشر ميلاً او ازيد من تلك المقادير على خلاف فى الاخبار والفتاوى { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } الهدى ولا ثمنه { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ } اى فعليه ان يصوم ثلاثة ايّام فى ايّام الحجّ والافضل ان يصوم قبل العاشر بثلاثة ايّام والمجوّز من اوّل العشرة فان لم يصم قبل فبعد أيّام التّشريق { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } الى اهاليكم لا من منى كما قيل { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } الاتيان بالفذلكة من عادة المحاسبين فجرى تعالى على عادتهم والتّوصيف بالكاملة امّا للاشارة الى انّها كاملة كمال الاضحيّة لئلاّ يتوهّم متوهّم انّ الصوم ينقص من الاضحيّة وهذا مروىّ عن الصّادق (ع) وعلى هذا فالتّعديل بالاضحيّة وجهٌ آخر للاتيان بالفذلكة وقيل: الاتيان بالفذلكة والتّأكيد بالكاملة لرفع توهّم كون الواو بمعنى او للاباحة او التّخيير { ذٰلِكَ } التّمتّع بالعمرة الى الحجّ لا الصّيام بدل الاضحيّة ولا الهدى { لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قد مضى انّه فرض النّائى { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } اى سخطه فى تغيير أحكامه ومخالفة أوامره ونواهيه { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } فى موضع النّكال والنقمة.