التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٢٤٩
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ } يعنى لمّا أخرجهم من مواطنهم قيل كان الجنود ثمانين الفاً وقيل سبعين وذلك أنّهم لمّا رأوا التّابوت وآثار النّصر تبادروا الى الجهاد { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } كما هو عادته فى حقّ المؤمنين وابتلاؤهم لتثبيتهم على الايمان { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } اى من أتباعى { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } الطّعم عامّ فى المشروب والمأكول { فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } وقرئ غرفة بفتح الغين والفرق بينهما انّ مضموم الفاء اسم للمصدر ومفتوحها مصدر عددىّ وهو استثناء من شرب منه وتقديم الجملة المعطوفة عليه للاهتمام بها { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } الاّ ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلاً من جملة الثمانين الفاً منهم من اغترف ومنهم من لم يطعمه ومن لم يطعمه استغنى عنه ومن اقتصر على الغرفة كفته لشربه واداوته ومن لم يقتصر غلب عطشه واسودّت شفته ولم يقدر ان يمضى، وملكهم كان علم ذلك الابتلاء بالوحى والالهام او باخبار نبيّهم، وكان ذلك صورة الدّنيا تمثّلت لهم لتنبّههم انّ الدّنيا هكذا كان حالها لمن اجتنبها ولمن ارادها { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } يعنى الّذين لم يشربوا او اغترفوا غرفة ورأوا كثرة جنود جالوت وقلّة عددهم { قَالُواْ } اى الّذين اغترفوا { لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } اى يعلمون وقد مرّ انّ العلوم الحصوليّة لمغايرة معلومها لها حكمها حكم الظّنون وكثيراً ما يطلق عليها الظّنون وانّ علوم النّفوس لتغيّرها وعدم ثباتها كالظّنون { أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ } وهم الّذين لم يغترفوا { كَم مِّن فِئةً قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } اى بترخيصه وامداده فانّ الاذن فى امثال المقام ليس معناه التّرخيص فقط { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } قد مضى انّ هذه المعيّة ليست مثل المعيّة فى قوله تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4]، ومثلها فى قوله (ع) مع كلّ شيءٍ لا بالممازجة فانّ هذه معيّة رحيميّة وتلك معيّة رحمانيّة وعن الرّضا (ع): أوحى الله تعالى الى نبيّهم انّ جالوت يقتله من يسوّى عليه درع موسى (ع) وهو رجل من ولد لاوى بن يعقوب (ع) اسمه داود بن آسى وكان آسى راعياً وكان له عشرة بنين أصغرهم داود فلمّا بعث طالوت الى بنى اسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث الى آسى ان احضر واحضر ولدك فلمّا حضروا دعا واحداً واحداً من ولده فألبسه الدّرع درع موسى (ع) فمنهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لآسى هل خلّفت من ولدك احداً؟ - قال: نعم أصغرهم تركته فى الغنم راعياً فبعث اليه فجاء به فلمّا دعى أقبل ومعه مقلاع قال: فناداه ثلاث صخراتٍ فى طريقه فقالت: يا داود خذنا فأخذها فى مخلاته وكان شديد البطش قويّاً فى بدنه شجاعاً فلمّا جاء الى طالوت البسه درع موسى (ع) فاستوت عليه ففصل طالوت بالجنود وقال لهم نبيّهم: يا بنى اسرائيل { إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } فى هذه المفازة { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ } فليس من حزب الله ومن لم يشرب فهو من حزب الله { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } فلمّا وردوا النّهر اطلق الله لهم ان يغترف كلّ واحد منهم غرفة { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } فالّذين شربوا منه كانوا ستّين الفاً وكان هذا امتحاناً امتحنوا به كما قال الله عزّ وجلّ.