التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ
٢٥٥
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ابتداء كلام منقطع عمّا قبله لابداء توحيده فى معبوديّته او فى مرجعيّته ان اخذ الاله من اله بمعنى عبد او التجأ او فى خالقيّته ان اخذ من لاه يلوه بمعنى خلق ولاثبات بعض صفاته الاُخر الثبوتيّة والسلبيّة والحقيقيّة والاضافيّة، او جواب لسؤالٍ ناشئٍ عن قوله { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } كأنّه قيل اذا لم يكن فاعل سواه فما حاله؟ او قيل: لم لم يكن سواه فاعل؟ وما ورد فى فضل قراءة آية الكرسىّ يشعر بكونه مقطوعاً عمّا قبله وفى فضل آية الكرسىّ وقراءتها دبر الصّلوات الفريضة اخبار كثيرة فعن رسول الله (ص) انّه قال: "اىّ آية فى كتاب الله أعظم؟ - قال الرّاوى: فقلت: الله لا اله الاّ هو الحىّ القيّوم قال: فضرب (ص) فى صدرى ثمّ قال: لهناك العلم؛ والّذى نفس محمّدٍ (ص) بيده انّ لهذه الآية لساناً وشفتين يقدّس الملك عند ساق العرش" . وفى المجمع باسناده قال النّبىّ (ص): "من قرأ آية الكرسىّ فى دبر كلّ صلاة مكتوبة كان الّذى يتولّى قبض نفسه ذا الجلال والاكرام، وكان كمن قاتل مع انبيائه حتّى استشهد" ، وعن علىّ (ع) انّه قال: سمعت نبيّكم على اعواد المنبر وهو يقول: "من قرأ آية الكرسىّ فى دبر كلّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنّة الاّ الموت، ولا يواظب عليها الاّ صدّيق او عابد، ومن قرأها اذا اخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره" ، وعنه (ع) انّه قال: سمعت رسول الله (ص) "يا علىّ سيّد البشر آدم (ع) الى ان قال: وسيّد الكلام القرآن وسيّد القرآن البقرة، وسيّد البقرة آية الكرسىّ، يا علىّ انّ فيها لخمسين كلمةً وفى كلّ كلمة خمسون بركةً" ، وعن ابى جعفرٍ (ع): من قرأ آية الكرسىّ مرّة صرف الله عنه الف مكروهٍ من مكاره الدّنيا، والف مكروه من مكاره الآخرة؛ أيسر مكروه الدّنيا الفقر، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر، وعن ابى عبد الله (ع): انّ لكلّ شيءٍ ذروة وذروة القرآن آية الكرسىّ، والسرّ فى ذلك انّ فيها اصول الصّفات الالهيّة وامّهات الاضافات الربوبيّة { ٱلْحَيُّ } خبرٌ بعد خبر او خبر مبتدءٍ محذوف او مبتدءٌ خبره القيّوم، او ما بعد القيّوم او خبر ابتداءٍ، و(لا اله) جملة حاليّة او معترضة مدحيّة كالجمل الدّعائيّة المعترضة، والحياة صفة مستلزمة للادراك والمشيئة والارادة والقدرة والاختيار والفاعليّة الاراديّة فهى مشيرة الى كثير من الصّفات الالهيّة { ٱلْقَيُّومُ } صفة او خبر او خبر بعد خبر وهو من قام المرأة وعليها مأنها وكفى أمورها، وهو من أسمائه الخاصّة به تعالى ومعنى قيّوميّته تعالى للاشياء ايجاده لها وكفايتها فى جميع مالها الحاجة اليه من جميع ما به اضافاته اليها واضافاتها اليه فهى جامعة لجميع صفاته الاضافيّة، ولمّا كان القائم بأمر غيره كثيراً ما يختلّ امره بالغفلة عن أمره وكان عمدة اسباب الغفلة السِّنة والنّوم نفى هذين عنه تعالى فقال { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ } السنة كعدة والوسن محرّكةً والوسنة ثقل النّوم او اوّله او النّعاس والجملة جواب لسؤالٍ مقدّرٍ او خبر او خبر بعد خبر او حال او معترضة مدحيّة { وَلاَ نَوْمٌ } وهو ردّ على اليهود وغيرهم الّذين قالوا: انّ الرّبّ فرغ من الامر واستراح او استلقى على ظهره كما اشير اليه فى الاخبار { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } وهذه كسابقتها فى وجوه الاعراب واللاّم فى مثل المقام يستعمل فى المبدئيّة والمرجعيّة والمالكيّة والمراد منه معنى عامّ للثّلاثة فهو تصريح بما استفيد اجمالاً من القيّوم وكثيراً ما يقال لزيد ما فى الصّندوق ويراد به الصّندوق وما فيه خصوصاً اذا كان ما فى الصّندوق غالياً { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ } تأكيد لقيّوميّته تعالى ولها الوجوه السّابقة مقطوعة ومرتبطة ويجوز تقدير القول بالوجود السّابقة { إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } هذه ايضاً كسوابقها فى الوجوه المذكورة وهو ايضاً تأكيد لما استفيد التزاماً من القيّوم، والمراد بما بين ايديهم طولاً الدّنيا والآخرة، وعرضاً ما يأتى او ما مضى كما مضى الاشارة اليه عند قوله { { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 66] { وَمَا خَلْفَهُمْ } يعلم بالقياس { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ }.
بيان الاحاطة بما شاء الله من علمه
اعلم انّ العلم بمعنى ظهور الشّيء عند شيء آخر له معنى مصدرىّ هو من المفاهيم العامّة ومعنى ينتزع ذلك الظّهور منه وهو صورة المعلوم الّتى حصلت عند العالم هذا فى العلوم الحصوليّة وامّا العلم الحضورىّ فليس هناك ما به الظّهور غير الظّاهر، بل المعلوم بذاته حاضر عند العالم لا بصورة ينتزع منها المعنى المصدرىّ للعلم فالعلم والمعلوم فيه متّحدان واذا كان المعلوم بالعلم الحضورىّ ذات العالم كان العلم والمعلوم والعالم متّحدة وعلى ما قيل وهو الحقّ؛ انّ العلوم الصوريّة شؤن للعالمين وليست كيفيّاتٍ نفسانيّة ولا اضافاتٍ كما قيل كان العلم والعالم فيها متّحدين، واذا كان العلوم الحضوريّة شؤن العالمين كما قيل وهو الحقّ كان العلم الحضورىّ والعالم والمعلوم متّحدة مطلقا، ولمّا كان علم الله بالاشياء عالياتها ودانياتها بحضور وجوداتها عنده لا بحصول صورها فيه او فى لوح حاضر عنده كما قيل كان جملة ما سوى الله علومه تعالى كما انّها معلوماتٌ له لاتّحاد العلم والمعلوم كما علمت والصّور الحاصلة فى النّفوس والحاضرة عندها من جملة معلوماته تعالى وعلومه تعالى، وعلى ما ذكر انّ العلم شأن من النّفس الانسانيّة كان الانسان محيطاً بعلمه حضوريّاً كان ام حصوليّاً ولما كان العلوم حادثة وكلّ حادث مسبوق بمشيئته تعالى لم يكن يحدث علم الاّ بمشيئته تعالى فتبيّن معنى قوله تعالى { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } وانّ المعنى لا يحدث لاحد شيء من علم الله الاّ بمشيئته تعالى { وَسِعَ } هذه كالجمل السّابقة فى الوجوه المحتملة { كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } المشيئة بوجهها الى الله عرش وبوجهها الى الخلق كرسىّ، ويسمّى الفلك الثامن لكونه مظهراً للكرسىّ بالكرسىّ كما يسمّى الفلك المحيط بالعرش، ولمّا كانت المشيئة فعله تعالى وهو لا بشرط شيءٍ ويجتمع مع كلّ شرطٍ وفيها جميع صفاته واسمائه بوجود واحدٍ جمعىٍّ جاز تفسير الكرسىّ بالعلم وتفسير العرش بجملة الخلق وصحّ ورود الاخبار بالاختلاف فى تفسيرهما؛ فعن النّبىّ (ص):
"ما السّماوات السّبع والارضون السّبع مع الكرسىّ الاّ كحلقةٍ ملقاةٍ فى فلاةٍ، وفضل العرش على الكرسىّ كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" ، وعن الصّادق (ع) انّه قال: حين سئل عن العرش والكرسىّ ما هما؟ - العرش فى وجهٍ هو جملة الخلق والكرسىّ وعاؤه، وفى وجهٍ آخر: العرش هو العلم الّذى اطّلع الله عليه الانبياء (ع) ورسله (ع) وحججه (ع) والكرسىّ هو العلم الّذى لم يطّلع عليه احداً من انبيائه (ع) ورسله (ع) وحججه (ع) { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } لا يثقله حفظه لهما { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ } حال بمنزلة التّعليل.