التفاسير

< >
عرض

ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٢٦٨
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ } جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل: ما بالنا لا نقدر على انفاق الطيّب وترك تيمّم الخبيث فى الانفاق؟ - فقال: لانّ الشّيطان يعدكم { ٱلْفَقْرَ } اى يوعدكم ويخوّفكم { وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } اى البخل بالطيّب فانّ البخيل يسمّى بالفاحش فى لغة العرب وحينئذٍ لم يكن ما بعده جزءاً من الجواب او التّقدير لم أمرنا الله بالانفاق من الطيّب ونهانا عن تيمّم الخبيث؟ - فقال: لانّ الانفاق من الطيّب ليس الاّ بالخروج من انانيّة النفس وحكومته والدّخول فى حكومة الله وامره، والانفاق من الخبيث بدل الطيّب ليس الاّ من حكومة الشّيطان والدّخول تحت امره والشّيطان يخوّفكم بالفقر ثمّ يأمركم بالفحشاء { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً } كان مقتضى المطابقة بين الفقرتين ان يقول والله يعدكم الغنى ويأمركم بالمعروف لكنّه عدل الى ما ذكر لاستنباط الامر بالمعروف من الامر بانفاق الطيّب، وللإشارة الى انّ وعد الله يعمّ الدّنيا والآخرة بخلاف ايعاد الشّيطان فانّه لا يتجاوز عن الدّنيا، وقدّم المغفرة لانّها وعد اخروىّ بخلاف الفضل، ونكرّهما للتفخيم، واتى بالفضل مقام الغنى للاشعار بانّ الغنى الموعود ليس كالغنى الموهوم الّذى ليس الاّ الفقر والحاجة والعناء بل هو من فضل الله الّذى لا فقر فيه ولا نصب ولا نفاد، وقدّم ايعاد الشّيطان لكون المقام لذمّ الّذين تيمّموا الخبيث فاقتضى المقام الاهتمام بايعاد الشّيطان ولان يختم الآية بالخير كما بدئت به ولارادة انجرار وعد الله الى ايتاء الحكمة والخروج عن مقام ذكر الوعد والايعاد { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ } لا يخاف الضّيق والفقر فلا خلف فى وعده { عَلِيمٌ } بمصالحكم فلا يأمركم الاّ بما فيه صلاحكم، ولا ينهاكم الاّ عمّا فيه فسادكم.