التفاسير

< >
عرض

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٢٦٩
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

بيان الحكمة ومراتبها
{ يُؤّتِي الْحِكْمَةَ } جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّ الرّسول (ص) بعد ما أيقن وشاهد المفاسد المترتّبة على طاعة الشّيطان والمصالح الّلازمة لطاعة الله قال: ما للنّاس لا يتأمّلون ولا ينظرون الى تلك المفاسد والمصالح؟! ولا يرتدعون عن تلك ولا يرغبون فى هذه؟ - فقال: لانّ النّظر فى دقائق هذه والعمل بمقتضاها من شعبتى الحكمة النّظريّة والعمليّة ولا يؤتى الله الحكمة لكلّ احد بل يؤتيها { مَن يَشَآءُ } ويجوز ان تكون الجملة حاليّة او خبراً بعد خبر مفيدة لهذا المعنى، والحكمة كما مرّ عبارة عن ادراك دقائق المصنوع الالهىّ وغاياته المترتّبة عليه؛ وهى الحكمة النّظريّة، وعن القدرة على صنع مصنوع مشتمل على دقائق الصّنع والغايات المترتّبة الى غاية هى اشرف الغايات بالنّسبة الى مقام الصّانع؛ وهى الحكمة العمليّة، وتطلق الحكمة على كلّ واحدٍ منهما وعلى المجموع، ولمّا كان ادراك الدّقائق المودعة فى المصنوعات واعمال الدّقائق المتصوّرة لها خاصّين بالله فالحكيم على الاطلاق هو الله تعالى وسائر النّاس حكماء بقدر ادراكهم وقدرتهم على الصّنع، وتلك الحكمة اى ادراك دقائق المصنوع الالهىّ والغايات المترتّبة عليه والقدرة على صنع مصنوع مشتمل على غايات منتهيةٍ الى غاية هى اشرف الغايات لا يمكن حصولها الاّ بعد فتح باب القلب بالولاية لانّه ما لم يفتح باب القلب لم يفتح عين القلب، وما لم يفتح عين القلب لم يمكن الادراك الاّ بعين الخيال، والخيال مخطئ فى ادراكه وغير متجاوزٍ عن الغايات الدّنيويّة، واذا فتح باب القلب بالولاية يدرك الانسان اوّلا دقائق الصّنع المودعة فى نفسه وعالمه الصّغير، ويدرك حيل الشّيطان فى اغوائه، ولطائف الملك فى تصرّفه، ويقدر على دفع حيل الشّيطان وتقوية تصرّف الملك، فاذا استقام فى ذلك وخلص من تصرّف الشّيطان تمكّن من ادراك دقائق الصّنع فى العالم الكبير والغايات المترتّبة على مصنوعاته تعالى، ويقدر على التصرّف فيها بقدر قوّته قليلاً او كثيراً، وادراك الدّقائق فى عالمه الصّغير والقدرة فيه عبارة عن النّبوّة وخلافتها، وذلك الادراك والقدرة فى العالم الكبير عبارة عن الرّسالة وخلافتها واساس ذلك هى الولاية كما عرفت فيجوز تفسير الحكمة بكلٍّ من الولاية والنّبوّة والرّسالة وبمعرفة الامام وطاعته وبمعرفة الامام واجتناب الكبائر وبالكتاب وبالثّبات عند اوائل الامور والوقوف عند عواقبها وبهداية الخلق الى الله وبمعرفة الامام والفقه فى الدّين، والحكمة سبب عمارة البيوت فما من بيتٍ ليس فيه شيءٌ من الحكمة الاّ كان خراباً، وقد فسّرت بالتشبّه بالاله علماً وعملاً وهى غاية خلق الانسان بل غاية عالم الامكان ولذلك قال تعالى: { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ } بالحكمة او باستلزامها للخير الكثير { إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } اعلم انّ الانسان بتمام عباداته وعظيم طاعاته ما لم ينعقد قلبه بالولاية كان كشجرة اللّوز والفستق الّتى كانت كثيرة اللّوز والفستق اللّذين لم يكن لهما لبٌّ وينبغى ان يوقد فى النّار ولا يبصر شيئاً من دقائق المصنوع ولا من دقائق حيل الشّيطان فلا يقدر على دفع شيءٍ من حيله، واذا انعقد قلبه بالولاية صار اثمار أعماله ذوات ألباب وأبصر من الدّقائق والحيل بقدره فما لم ينعقد قلبه بالولاية لا يتذكّر ذلك واذا انعقد تذكّر.