التفاسير

< >
عرض

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٨
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } بعد ما ذكر حال المنافقين وأنّهم كفروا بنقضهم العهد ثمّ قطعوا وأفسدوا التفت اليهم فقال على سبيل التعجّب والانكار: على أىّ حالٍ تكفرون يعنى لا ينبغى لكم الكفر بحالٍ من الاحوال فلا ينبغى لكم الكفر اصلاً بالله بنقض عهده المأخوذ عليكم من بعد ميثاقه وهذا أوفق بما قبله، ويحتمل ان يكون الخطاب لمطلق الكفّار والمؤمنين، ويحتمل ان يكون الخطاب للمؤمنين خاصّةً { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } حال عن الفاعل او المجرور امّا بتقدير قد لتصحيح وقوع الماضى حالاً، او لأنّ الحال فى الحقيقة علمهم بمضمون تلك الجمل المتعاقبة لانّ انكار الكفر والتعجّب منه معلّلٌ بعلمهم بذلك كأنّه قال وأنتم عالمون بتلك الاحوال، والموت عدم الحياة عمّا من شأنه ان يكون حيّاً، وللحياة بالاضافة الى كلّ شيئ معنىً بحسبه؛ فانّ حياة الأرض باخراج نباته والنّبات باخراج اوراقه وحبوبه واثماره، والحيوان بنفخ الرّوح الّتى بها الاحساس والحركة، وحياة الانسان بنفخ الرّوح الّتى بها انعقاد عيسى القلب فى رحم مريم النّفس، وبدون هذا النّفخ لا يصدق العلم على الانسان ولا الحياة، وقد نسب الى امير المؤمنين (ع): النّاس موتى وأهل العلم أحياء، والمراد بالموت ان كان الخطاب للمؤمنين معنى يشمل الاحوال الّتى قبل الحياة الانسانيّة من كون الانسان عنصراً وغذاءً ونطفةً وعلقةً ومضغةً وجنيناً وانساناً صوريّاً، وان كان الخطاب للكفّار فالمراد بالموت الاحوال الّتى قبل الحياة الحيوانيّة وحمل الاموات على المخاطبين مع انّ الموت صفة المادّة بالذّات للاتّحاد بين المادّة والصورة فانّهما اذا أخذتا لا بشرطٍ كانتا جنساً وفصلاً محمولين على انّ الصّورة الانسانيّة فى مقامها العالى غير المادّة، وامّا فى مقامها الدّانى فهى متّحدة معها بحيث ظنّوا انّ الانسان هو البدن وانّ الرّوح جسم سار فى البدن كسريان الماء فى الورد، وقد رأيت فى مؤلّفات بعض: انّ من قال بتجرّد النّفس النّاطقة فهو فاسقٌ.
تحقيق تكرار الاحياء والاماتة للانسان
{ فَأَحْيَاكُمْ } بالحياة الحيوانيّة او الانسانيّة { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عن الحياة الحيوانيّة الدّنيويّة او الانسانيّة الدّنيويّة فانّ الانسان بنفخة الاماتة يموت عن كلّ ما له من المدارك والقوى ما لم يقم عليه القيامة الكبرى { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } بالحياة الأخرويّة الملكيّة بنفخة الاحياء فى البرازخ الى الاعراف { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } على الطّريق الّذى هو عن يمين الاعراف او على الطّريق الّذى هو عن يسارها والرّجوع اليه تعالى امّا الى مظاهره النّوريّة ودار نعيمه واسمه اللّطيف، او الى مظاهره الظلمانيّة ودار جحيمه واسمه القهّار.
اعلم انّ الانسان من أوّل خلقة مادّته الّتى هى النّطفة الّتى استقرّت فى الرّحم الى آخر استكمال بدنه فى خلع ولبس فى مادّته، وكذا من اوّل تعلّق نفسه ببدنه فى خلع ولبس فى نفسه الى بلوغه حدّ الرّجال، وكلّ خلع منه موت وكلّ لبس حياة، وهذان الاستكمالان مشهودان للكلّ، وله بعد ذلك استكمالٌ واستعلاءٌ على مدارج السّعادة واستكمالٌ واستنزالٌ فى مهابط الشّقاوة، وهذان خلع ولبسٌ بحسب نفسه وموت وحياة فى برازخ الآخرة، وهما وان كانا غير مشهودين للكلّ لكنّ العالم يعلم بالمقايسة انّ حالاته بعد البلوغ مثل حالاته قبل البلوغ كما قال تعالى شأنه:
{ { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } [الواقعة: 62]؛ وكلّ من خلعاته ولبساته موت وحياة وهذا الخلع واللبس مستمرٌّ الى الاعراف سواءٌ مات الانسان بالموت الاختيارىّ او الاضطرارىّ وبعد الاعراف له ترقّياتٌ وتنزّلاتٌ ايضاً لكن ترقّياته حياةٌ على الحياة وتنزّلاته موتٌ على الموت، وقد قال المولوى قدّس سرّه مستنبطاً من الآية الشريفة مشيراً الى امّهات أنواع الموت والحياة فانّ افراده غير متناهية كما حقّق فى محلّه من انّ الحركة القطعيّة قابلة للقسمة الى غير النّهاية.

از جمادى مردم و نامى شدم وز نما مرجم بحيوان سر زدم
مردم از حيوانى و آدم شدم بس جه ترسم كى زمردن كم شدم
حمله ديكَر بميرم از بشر تا برآ رم از ملايك بال وبر
وزملك هم بايدم جسنن زجو كلّ شيئٍ هالك الاّ وجهه
بار ديكَر از ملك برّان شوم آنجه اندر وهم نايد آن شوم

فقوله تعالى: { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } اشارة الى تمام الحالات الّتى قبل الحيوانيّة او قبل الانسانيّة ولذا عطف عليه قوله { فَأَحْيَاكُمْ } بالفاء وهو اشارة الى حدوث الحياة الحيوانيّة او الانسانيّة ولذا عطف عليه قوله { ثمّ يميتكم } بثمّ، وقوله { ثمّ يميتكم } اشارة الى حدوث الموت الحيوانىّ او البشرىّ ولذا عطف عليه قوله { ثمّ يحييكم } بثمّ وهو اشارة الى حدوث الحياة البرزخيّة ولذا عطف عليه قوله { ثُمَّ إِلَيْهِ } ترجعون بثمّ، وهو اشارة الى ما بعد البرزخ والاعراف ولم يقل ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم لما ذكر انّه فى اهل الخير حياة على الحياة.