التفاسير

< >
عرض

للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٨٤
ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ
٢٨٥
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ لِلَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } مستأنف فى مقام التّعليل لاحاطة علمه { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } ومنه ابداء الشّهادة ولكن لا اختصاص له بها بل يجرى فى كلّ ما فى النّفوس من العقائد والنيّات والارادات بل يجرى بوجه فى مكمونات النّفوس الّتى لا شعور لصاحبها بها وابداء تلك المكمونات بظهورها على صاحبها وشعورهم بها { أَوْ تُخْفُوهُ } ومنه كتمان الشّهادة ويجرى فى كلّ خطرة وخيال ونيّة وارادة وشأن بل فى المكمونات الّتى لا شعور لصاحبيها بها ممّا بقى فى النّفوس قواها واستعداداتها ولم تصر بالفعل بعدُ حتّى يستشعر بها صاحبوها فانّها بمضمون اخرجت الارض اثقالها ويومئذ تحدّث اخبارها يوم القيامة يظهر جميع المكمونات ولا يعزب عنه تعالى شيءٌ منها { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } وما ورد فى الاخبار من عدم المؤاخذة على عزم المعاصى او على الخطرات او على الوسوسة انّما هو بحسب المؤاخذة الدّنيويّة والعقوبات الاخرويّة ولا ينافى ذلك المحاسبة وعدم ارتفاع الدّرجة، وما ورد فى جواب من ذكر الخطرات من عدم استواء ريح الطيّب وريح المنتن يدلّ على انّ فيها محاسبة ما، وعن رسول الله (ص): "وضع عن أمّتى تسع خصالٍ: الخطاء، والنّسيان، وما لا يعلمون، وما يطيقون، وما اضطرّوا اليه، وما استكرهوا عليه، والطّيرة، والوسوسة فى التفكّر فى الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسانٍ او يدٍ" { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } قرئ بالرّفع وبالجزم مع الفاء وبدونه { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آمَنَ ٱلرَّسُولُ } ابتداء كلامٍ بل ابتداء آيةٍ منقطعةٍ عمّا قبلها كما سيجيء { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } وهذا تبجيل وتنصيص من الله على محمّد (ص) بايمانه { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } عطف على الرّسول او ابتداء كلام كما سيجيء { كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ } من المقرّبين والصّافّات صفاً والمدبّرات امراً واولى الاجنحة والرّكّع والسّجّد ارضيّين كانوا ام سماويّين { وَكُتُبِهِ } من الكتاب المبين والكتاب المحفوظ وكتاب المحو والاثبات العلمىّ والعينىّ { وَرُسُلِهِ } من الملائكة ومن البشر فى الكبير والصّغير { لاَ نُفَرِّقُ } اى قائلين وقرئ (لا يفرّق) بالياء حملاً على لفظ كلّ ولا يفرّقون حملاً على معناه { بَيْنَ أَحَدٍ } اضافة بين الى احدٍ امّا لعمومه لوقوعه فى سياق النّفى او لتقدير غيره معه اى بين احدٍ وغيره { مِّن رُّسُلِهِ } والمقصود عدم التّفريق فى التّصديق لا فى التّفصيل { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ } اغفر او نطلب غفرانك { رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } اظهار لاقرارهم بالمعاد بعد اظهار اقرارهم بالمبدأ.