التفاسير

< >
عرض

وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ
٣٥
-البقرة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

{ وَقُلْنَا } بعد خلق آدم (ع) وخلق حوّاء لأنسه بها وسجود الملائكة له واباء ابليس من السّجود.
{ يَاآدَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } الّتى هى من جنان الدّنيا لا من جنان الآخرة الّتى هى للانسان بعد خلاصه من البنيان العنصرىّ فانّه من دخلها لم يخرج منها وسيأتى الاشارة الى وجه كونها من جنان الدّنيا { وَكُلاَ مِنْهَا } رزقكما الخاصّ بكما من أثمار الجنّة وفواكه الاعمال وحبوبها { رَغَداً } رزقاً واسعاً او اكلاً واسعاً { حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } اطلق لهما الاكل من اىّ مأكول شاء او فى اىّ مكان وزمان أرادا ونهاهما عن الاكل من شجرة مخصوصة، وتعليق النّهى على القرب من الشّجرة للمبالغة فى النّهى عن الاكل، او للنّهى عن القرب حقيقة فانّ القرب من الشيئ يورث توقان النّفس اليه.
اعلم أنّ قصّة خلق آدم (ع) وحوّاء (ع) من الطّين ومن ضلعه الايسر ومن امر الملائكة بسجود آدم (ع) واباء ابليس عن السّجدة واسكان آدم (ع) وحوّاء (ع) الجنّة ونهاهما عن اكل شجرة من اشجارها ووسوسة ابليس لهما واكلهما من الشّجرة المنهيّة وهبوطهما من المرموزات المذكورة فى كتب الامم السّالفة وتواريخهم كما ذكرنا سابقاً. فالمراد بآدم فى العالم الصّغير اللّطيفة العاقلة الآدميّة الخليفة على الملائكة الارضيّين وعلى الجنّة والشّياطين المطرودين عن وجه ارض النّفس والطّبع المسجودة للملائكة المخلوقة من الطّين السّاكنة فى جنّة النّفس الانسانيّة وهى أعلى عن مقام النّفس الحيوانيّة المخلوق من ضلع جنبها الايسر الّذى يلى النّفس الحيوانيّة زوجتها المسمّاة بحوّاء لكدورة لونها بقربها من النّفس الحيوانيّة، والمراد بالشّجرة المنهيّة مرتبة النّفس الانسانيّة الّتى هى جامعة لمقام الحيوانيّة والمرتبة الآدميّة، والمراد بالحيّة واختفاء ابليس بين لحييها القوّة الواهمة فانّها لكونها مظهراً لابليس تسمّى بابليس فى العالم الصّغير، ووسوسته تزيينها ما لا حقيقة له للجنب الايسر من آدم المعبّر عنه بحوّاء وهبوط آدم (ع) وحوّاء (ع) عبارة عن تنزّلهما الى مقام الحيوانيّة، وهبوط ابليس والحيّة وذريّتهما عبارة عن تنزّلها عن مقام التّبعيّة لآدم؛ فانّ ابليس لمّا كان الواهمة احد مظاهره كان رفعتها رفعته، وشرافتها باستخدام آدم لها شرافته، وهبوط الواهمة كان هبوطاً له، واذا اريد بالشّجرة النّفس الانسانيّة ارتفع الاختلاف من الاخبار فانّ النّفس الانسانيّة شجرة لها انواع الثّمار والحبوب واصناف الاوصاف والخصال لانّ الحبوب والثّمار وان لم تكن بوجوداتها العينيّة الدّانيّة موجودة فيها لكنّ الكلّ بحقائقها موجودة فيها فتعيين تلك الشّجرة بشيءٍ من الحبوب والثّمار او العلوم والاوصاف بيان لبعض شؤنها. روى فى تفسير الامام (ع) انّها شجرة علم محمّدٍ (ص) وآل محمّدٍ (ع) الّذين آثرهم الله تعالى به دون سائر خلقه فقال الله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ }؛ شجرة العلم فانّها لمحمّدٍ (ص) وآله (ع) دون غيرهم ولا يتناول منها بأمر الله الاّهم، ومنها ما كان يتناوله النّبىّ (ص) وعلىّ (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) بعد اطعامهم المسكين واليتيم والاسير حتّى لم يحسّوا بجوعٍ ولا عطشٍ ولا تعبٍ ولا نصبٍ وهى شجرة تميّزت من بين سائر الاشجار بانّ كّلاً منها انّما يحمل نوعاً من الثّمار وكانت هذه الشّجرة وجنسها تحمل البرّ والعنب والتّين والعنّاب وسائر أنواع الثّمار والفواكه والاطعمة، فلذلك اختلف الحاكون فقال بعضهم: برّة، وقال آخرون: هى عنبةٌ، وقال آخرون: هى عنّابة، وهى الشّجرة الّتى من تناول منها باذن الله ألهم علم الاوّلين والآخرين من غير تعلّمٍ، ومن تناول بغير اذن الله خاب من مراده وعصى ربّه. أقول: آخر الحديث يدلّ على ما قالته الصّوفيّة من انّ السّالك ما لم يتمّ سلوكه ولم ينته الى مقام الفناء ولم يرجع الى الصّحو بعد المحو باذن الله لم يجز له الاشتغال بالكثرات ومقتضيات النّفس زائداً على قدر الضّرورة وشجرة علم محمّد (ص) وآل محمّد (ع) اشارة الى مقام النّفس الجامع لكمالات الكثرة والوحدة { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّالِمِينَ } الفاء سببيّة دالّة على سببيّة الاكل لصيرورتهما من الظّالمين اى لحدوث الظّلم بعد الاتّصاف بالمتضادّات يعنى انّ الاكل من الشّجرة يصير سبباً للاتّصاف بالمتضادّات وهو يقتضى منع الحقوق عن أهلها واعطائها لغير اهلها، او لحدوث الاتّصاف بالظّلم ابتداءً يعنى انّ الاكل من الشّجرة حين عدم استحقاق الاكل ظلم فاذا أكلتما صرتما متّصفين بالظّلم، اولاعمّ من حدوث الظّلم بواسطةٍ او بلا واسطةٍ.